حسام كنفاني
يبدو أن مفهوم «السلام»، الذي من المفترض أن يكون قد أرساه مؤتمر «أنابوليس»، ليس راسخاً إلا في ذهن الرئيس محمود عبّاس وفريقه التفاوضي الماضي في اللقاءات والاجتماعات، بغض النظر عن أي التزامات مترتبة على الطرف الإسرائيلي، الذي رأى في المؤتمر ومسيرة المفاوضات فرصة لتعزيز «جنة الاستيطان» في القدس والضفة الغربية المحتلتين.
وقد شهدت هاتان المنطقتان، خلال الأيام القليلة التي أعقبت المؤتمر، كثافة مشاريع استيطانية غير مسبوقة، إذ لم تشهد المنطقة في فترة الجمود التفاوضي هذا الكمّ من الوحدات السكنية في هذه الفترة الزمنية القصيرة تحت نظر وسمع «الحكَم» الأميركي، الذي لا يبدو في وارد التدخّل بأكثر من المناشدات والإدانات.
وبعد التوسّع في «هار حوما» في جبل أبو غنيم، جاء الدور على «معاليه أدوميم»، وما بينهما كان مشروع إنشاء أكبر مستوطنة في القدس المحتلة، التي لا تزال، وإن جرى التراجع عن إنشائها، مشروعاً على ورق في أدراج وزارة الإسكان الإسرائيلية، وبالتالي فإن تنفيذها قد يكون بانتظار «الوقت المناسب» وفق الحسابات الإسرائيلية.
وكان التعاطي الأميركي مع مشروع المستوطنة الجديدة مستهجناً لناحية إشادة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بالتراجع عن إنشائها، وفي الوقت نفسه النأي عن الضغط على إسرائيل للقيام بهذه الخطوة، إذ قالت: «إن الولايات المتحدة لم تتدخل لإقناع إسرائيل بالتخلّي» عن مشروع المستوطنة.
ويبدو أن «الجديّة» الأميركية في السلام، التي يتغنّى بها عباس، لا تشمل التدّخل لمحاسبة منتهكي الالتزامات الثنائية، إلا إذا كان بطلها الطرف الفلسطيني، حيث ينهال عليه التقريع والتهديد والوعيد. وهو ما يبدو أنه لن يحدث في ظل «الالتزام المطلق» من الرئيس الفلسطيني وسلطته، التي، إلى الآن، لم تتجرّأ على وضع أي خطة للاحتجاج على مخططات الاستيطان الإسرائيلية، إلا بالإشارة إلى تعكيرها «صفو السلام» الذي نشأ بعد مؤتمر أنابوليس.
وفي هذا السياق، لا يزال فريق التفاوض الفلسطيني يتهيّأ للمشاركة في جولة جديدة من المباحثات مع الإسرائيليين اليوم، ومحمود عباس يمنّي النفس بلقاء غداً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، «لإيصال رسالة الاحتجاج الفلسطينية»، رغم تأكّده من أنه لن تكون لها أصداء في آذان الإسرائيليين، الذين يبررون مخططاتهم التوسعية بالاتفاق مع السلطة الفلسطينية على مبدأ «تبادل الأراضي».
وفي هذا التبرير، إن صحّ، إدانة إضافية لعباس وسلطته، ولا سيما أن وجهة النظر الإسرائيلية تلمّح إلى موافقة فلسطينية مكتومة على التنازل عن أراضٍ في محيط القدس المحتلة. ومثل هذا الاتهام والتلميح سيظلّ قائماً حتى تقوم السلطة بإجراء ينفيه.
والحدّ الأدنى لمثل هذا الإجراء قد يكون المقاطعة. فماذا لو أعلن الرئيس الفلسطيني وطاقمه التفاوضي أنهم لن يتوجهوا إلى اللقاء مع الإسرائيليين اليوم احتجاجاً على مخططات الاستيطان؟ لا شك في أن أصداء هذا القرار ستكون أكبر من «الاحتجاج» عبر المشاركة، وعلى الأقل سيعيد الاعتبار إلى الموقف الفلسطيني ويغيِّر صورة اللاهث وراء تسوية بأي ثمن.