حيفا ــ فراس خطيب
بعد مرور نحو 20 يوماً على المواجهات بين سكّان قرية البقيعة والشرطة الإسرائيلية، التي أسفرت عن سقوط 30 جريحاً، كُشف عن محاولات استيطانية يهودية، تبادر إليها جمعيّات يهوديّة يمينيّة متطرّفة، لتهويد القرية العربية، الواقعة في الجليل الأعلى، شمال فلسطين التاريخيّة.
وفي حديث لـ«الأخبار»، يقول أحد سكّان القرية «كانت المواجهات عبارة عن الجرح الذي دلّنا على المرض».
«مرض» شعر به الأهالي على مدى سنوات مضت، لكن التطوّرات الأخيرة أثارت مشاعر غضب منقطعة النظير لدى السكّان الأصليّين للقرية، ما يهدّد باندلاع مواجهات متوقّعة، قد تكون قريبة.
الجمعيّات الاستيطانية الفاعلة في البقيعة تستعمل الأساليب نفسها في الخليل والقدس. فهي تشتري البيوت العربيّة بأسعار باهظة، حسب ما جاء في تقرير نشرته صحيفة «هآرتس» أمس، وتعلن أن «غايتها تهويد القرية».
تقع البيوت المذكورة وسط البقيعة، وتحديداً في المساحة المحيطة بالكنيس اليهودي الموجود في المكان منذ القرن التاسع عشر. ويشير تقرير «هآرتس» إلى أنّ هذه هي «المرّة الأولى» التي يُكشف فيها عن ممارسات استيطانية، بهذا الحجم، تشبه إلى حد كبير النشاط الاستيطاني الذي تمارسه المنظمات في البلدتين القديمتين المحتلّتين في الخليل والقدس.
وتتابع «هآرتس» أنّ جمعية «تراث الجليل الأعلى» اليهوديّة الاستيطانية تعمل على شراء البيوت في قرية البقيعة بثمن يضاهي 5 أضعاف قيمتها الحقيقية. وتضيف أنّ أحد نشطاء الجمعية، حاخاماً يهودياً يدعى أفيف زيغلمان، يسكن مستوطنة قريبة من نابلس المحتلّة في الضفة الغربية، وهو أحد المقرّبين من القيادي اليميني المتطرّف في حزب الليكود، موشيه فايغلين.
والقضيّة لا تتوقّف عند هذا الحدّ، ففي البقيعة تعمل جمعية أخرى تدعى «بكعين لنيتسح» («البقيعة للأبد»)، تقول «هآرتس» إنّها تعمل على «تقوية الروابط اليهوديّة مع البقيعة». وتنقل عن أحد المسؤولين فيها، يدعى شمعون فرويليخ، وهو من مستوطنة «كدوميم» في الضفّة نقل نشاطه إلى البقيعة، قوله إنّه «لو كان لدي عدد كافٍ من البيوت لتمكّنت من إحضار ألف يهودي فوراً، فهناك ضغط كبير للقدوم إلى البقيعة».
ويشبّه فرويليخ سكّان البقيعة العرب بـ«النازيين»، ويزعم أنّه «منذ ليلة البلور، لم يحصل هجوم كهذا على اليهود»، في إشارة إلى «ليلة البلور» التي هاجمت فيها جموع من الألمان أملاك اليهود في فترة الحكم النازي لألمانيا.
وبحسب التقرير، فإن معظم سكّان البقيعة الذين يبيعون منازلهم «هم من العرب المسيحيين»، ما يرفع منسوب الجوّ المتوتر أصلاً في القرية. ففي أعقاب الصفقة الأخيرة التي بِيع فيها بيت قبل شهرين، أُلّفت «لجنة مسيحيّة» في البقيعة وراح أعضاؤها يتنقّلون بين المنازل في محاولة لإقناع أصحابها بعدم بيعها. وبعد هذه الحملة، اتّضح للّجنة أنّ جمعيّات يهودية متطرّفة تقف وراء حملة الاستيطان.
غير أنّ عملية الاستيطان في البقيعة لم تبدأ بهذه الجمعيّات الاستيطانية، إذ تشير «هآرتس» إلى أنّ «الوكالة اليهودية» و«الصندوق الدائم لإسرائيل» (كيرن كييمت) اشتريا 12 بيتاً في القرية قبل سنوات بهدف توسيع الاستيطان فيها.
ويقول رئيس المجلس المحلّي السابق في القرية، صالح خير، إنّه نجح في حينه بمنع شراء الوكالة لبيت يقع فوق الخلوة (مكان الصلاة عند الدروز)، ويشير إلى أنّ المخطّطات لم تنجح لأنّه لم تُسكن المنازل التي اشتُريت، «وبحسب معلوماتنا، فإنّ هذه البيوت بقيت خالية حتى بعدما طلب الدروز السكن فيها بسبب خدمتهم في الجيش الإسرائيلي»، موضحاً أنّه «عندما اشتُريت بيوت في الأشهر الأخيرة، اعتقدنا أنّ الوكالة والكيرن كييمت تشتريانها ولم نعلم بوجود خطة من نوع آخر».
ويلفت التقرير إلى أنّ «التعددية» السياسية في البقيعة تحوّلت إلى شعور بأنّ القرية «منكوبة» وتستصعب النهوض من آثار ليلة المواجهات.
ويستعيد النائب في الكنيست سعيد نفاع، في حديث لـ«الأخبار» أدلى به خلال المواجهات، كيف عملت الشرطة الإسرائيلية على تغيير إفادتها، إلى حين أصبح مشكوكاً فيها. ويقول «في البداية، قالت الشرطة إنّها جاءت لاعتقال الشبّان في البقيعة بسبب حرقهم هوائياً. وغيّرت إفادتها في ما بعد. وقالت إنّها تريد حماية العائلات اليهوديّة من الاعتداء عليها. وهذا ما استخدمته الشرطة خلال الجلسة معها، حيث استدعت شخصاً يُدعى زيغلمان، هو من المخطّطين للاستيطان ليدعم إفادتها».
أمّا رئيس المجلس المحلّي في البقيعة، محمد خير، فيقول من جهته إنَّ أهالي القرية لا يملكون «قوّة اقتصاديّة لمواجهة الظاهرة». ويشير إلى أنّ الجمعيات «مستعدّة لدفع ضعف الثمن أو حتى أكثر لشراء بيت قديم»، مشدّداً على أنّ موقفه هذا «ليس عداءً لليهود» لأنّ العديد من العائلات اليهودية تعيش هنا و«جاءت للسكن بشكل مستقلّ وأصبحت جزءاً من القرية».