قبل شهور كان عدد من الطلاب «المثاليين» يصطفّ أمام نوافذ المراجعين في إحدى كليّات جامعة دمشق. تجاوزت الساعة موعد بدء الدوام الرسمي بأربعين دقيقة، لكنّ أيّاً من الموظفين والموظفات لم يُنهِ فطوره أو يفتح نافذته. حين قام أحد المراجعين بقرع إحدى النوافذ، مستعجلاً الموظفّة، هبّ بقية المراجعين «المثاليين» في وجه ذلك «الناشز» وانهالت عليه عبارات غاضبة، من مثل: «لك يا زلمة هلأ بتعصب وبتبطل تشتغل»، «يا معلم الله يرضى عليك ما تعمل مشاكل»، «يا أستاذ خلي هاليوم يمرق على خير، انتظرلك شوي شو صاير عليك؟». (ما أروع وقوف المواطنين «المثاليين» في وجه كل من يحاول إقلاق راحة موظّف حكومي ويذكره بضرورة أداء عمله!).
في هذه الأيام السوريّة «المباركة» يمكنك أن تصادف على أحد الحواجز عسكريّاً يبتسم في وجهك، أو ضابطاً يلقي دعابةً ما، هذا أمر عادي. «المعجزة» ستحصل إن حظيتَ بموظّف يبتسم في وجهك وينجز لك عملك/ عمله بلا «مِنّة» وأنت مجرّد مراجع «غير مدعوم». في هذه الأيام أنت «كل الإرهابيين»، أما بعض «أبناء الحكومة» فهم «الصمود» وهم «مفتاح النصر»، ولتتجرّأ وتحتجّ إن كنت رجلاً. لا تلزمك حصافةٌ كثيرة لتدركَ أنّ جهةً لن تكون مستعدة للاستماع إلى شكواك، وإن استمعت فلن تتخذ أي إجراء. هذه إحدى «مزايا» الزمن السوري الجديد: أنت دائماً تمتلك خياراً ذهبيّاً «بلّط البحر». انتبه جيّداً، في اللاذقية لن يكون في وسعك «تبليط البحر»، فكل أبنائها سيذكّرونك وهم يضحكون بأنّ هذا الأمر لم يعد مستحيلاً. ستسمعهم يهتفون ضاحكين: «لك الحكومة بلّطت البحر من زمان»، وقد يشير لك أحدهم نحو المرفأ الذي ابتلع واجهة مدينتهم البحريّة ليساعدك على الفهم. لم تفهم؟ لا بأس، قم بزيارة «ساحة الشيخ ضاهر» وسط اللاذقيّة لتشاهد أطفال فقرائها «يسبحون» في بركتها الحجريّة الموحلة وهم في غاية السعادة.