رواية تراجع التوتر مع إيران لا تدعمها الوقائع كالمواجهة البحرية الأخيرة
وضْعُ هذه الروايات، كما رواية «وول ستريت جورنال»، تخفيض الحشد الأميركي في الخليج والمنطقة في سياق تراجع التوتر مع إيران لا تدعمه الوقائع، سواء الاستنفار البحري الذي أدى إلى المواجهة البحرية الأخيرة، أو قيام الولايات المتحدة، على النقيض، بنشر «باتريوت» في العراق لتجنب الهجمات الصاروخية، فيما لم تتراجع واشنطن عن مضاعفة العقوبات والضغوط على طهران. يضاف إلى ذلك تلميح ترامب إلى أن الخلفية هي الابتزاز المالي للمملكة. وإن كان يعني هذا التناقض شيئاً، فهو يسمح للرياض بفهم أكبر لطبيعة التلاعب الأميركي المكشوف بأمنها وأمن المنطقة عبر الحفاظ على التوتر مع إيران وحرب اليمن كأوراق تخويف وابتزاز بالحماية.
كل ذلك قاد المراقبين إلى العودة إلى ما نشرته وكالة «رويترز» قبل أيام، حين كشفت، نقلاً عن أربعة مصادر، أن ترامب هدّد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في اتصال في الثاني من الشهر الماضي، بأنه إن لم تبدأ «أوبك» بخفض إنتاج النفط، «فلن يكون هناك سبيل لمنع الكونغرس من فرض قيود قد تؤدي إلى سحب القوات الأميركية»، ما اضطر ابن سلمان إلى توجيه أوامر لمعاونيه بمغادرة الغرفة لإكمال الاتصال على انفراد. وكان لافتاً، بالتزامن مع تقارير الانسحاب، وبعد أسبوع على تقرير «رويترز»، نشر المتحدث باسم السفارة السعودية لدى واشنطن، فهد ناظر، تغريدة قال فيها إن تقرير الوكالة «لا يعكس حالة الاحترام المتبادلة بين الجانبين»، مؤكداً أن ذلك «يحمل تشويهاً تاماً لمضمون ونبرة المكالمة».
ما تقدّم يقود إلى تفسير الانسحاب الأميركي الأول منذ انتشار قوات الولايات المتحدة عقب ضربة «أرامكو» في تشرين الأول/أكتوبر الماضي على الأراضي السعودية للمرة الأولى منذ عام 2003، أنه انعكاس لمأزق العلاقة بين الطرفين، ولا سيما إثر حرب أسعار النفط وما سبّبته لصناعة النفط الأميركي في الأسابيع الماضية. وإذ يريد ترامب إظهار جدية تهديداته، فهو يبدو أنه «يعاقب» السعودية أو يطلب منها ما هو أكثر من اتفاق «أوبك+» على خفض الإنتاج في 12 نيسان/أبريل، الذي أنهى حرب الأسعار. وداخلياً يظهر ترامب مقابل غضب الكونغرس من الرياض بعد الانهيار التاريخي لأسعار النفط أنه مستعد لتصعيد الابتزاز إلى أبعد مدى مع «الأصدقاء» خدمة لمصالح بلاده الاقتصادية. يبقى أن عدم إعلان واشنطن، حتى الآن، انسحاباً شاملاً، مع المواربة بشأن مصير قواتها ومنظومة الحماية في قاعدة «الأمير سلطان» الجوية، يُبقي الباب مفتوحاً أمام السعوديين لتقديم مزيد من التنازلات يرغب فيها البيت الأبيض.