مقالات مرتبطة
هذه الرمزية، وما تؤشّر إليه من أبعاد ومصالح استراتيجية، كانت محور تقرير نشرته وزارة الاستخبارات الإسرائيلية حول «الإنجازات» التي يُفترض أن تَتحقّق خلال السنوات المقبلة من خلال التطبيع مع الخرطوم، والمتمحورة بشكل رئيس حول القضايا الأمنية والعسكرية واللاجئين، علماً بأن كيان العدو لا يخفي مصالحه من وراء نسج علاقات تطبيع وتحالف مع الدول العربية، بل يرى في ذلك إنجازاً يتباهى به في الداخل والخارج. وإذ أشار التقرير المذكور إلى أن «السودان يقع على شواطئ البحر الأحمر، على مسار تهريب» في أكثر من مجال، وتحديداً «السلاح والتجارة من الشمال إلى الجنوب»، فهو رأى أنه، في ضوء هذا الموقع، والتموضع السوداني الجديد الذي يمليه اتفاق التطبيع، سيتعزّز الأمن الإسرائيلي، عن طريق تقليل خطر «تموضع جهات معادية على طول خطّ الملاحة الأساسي لإسرائيل، وعلى المدى البعيد، هناك إمكانية لعمليات أمنية مشتركة في المنطقة».
كان السودان شريكاً في أكثر من حرب إلى جانب الجيش المصري ضدّ كيان العدو
كذلك، تحدّث التقرير عن «الإنجاز» الإسرائيلي المتمثّل في استبدال الدور الذي لعبه السودان في دعم المقاومة في فلسطين، بدور مضادّ عبر «منع تهريب السلاح عبر خطّ السودان - مصر - غزة، ومنع تموضع جهات تجهّز لعمليات معادية على أراضيه، وإمكانية إحباط إقامة قواعد بحرية لجهات معادية مثل إيران وتركيا على شواطئ البحر الأحمر». وتحضر في هذا السياق عمليات نقل الأسلحة من إيران وسوريا إلى فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، في مراحل سابقة، عبر السودان. وقد حاولت إسرائيل، في ذلك الحين، إحباط بعض هذه العمليات، من خلال استهدافات نَفّذتها على الأراضي السودانية. وتناول التقرير، أيضاً، إمكانية التعاون بين السودان وإسرائيل في مجال الهجرة والتسلّل. أما في مجال السياحة، فقد لفت إلى الاستفادة من الأجواء السودانية، لكونها تؤدّي إلى تقصير الرحلات الجوية إلى دول في أفريقيا مثل إثيوبيا وجنوب أفريقيا أو أميركا اللاتينية. وفي سياق متصل، أعلن نتنياهو أن «وفوداً من السودان وإسرائيل ستجتمع قريباً لبحث التعاون في العديد من المجالات، بما في ذلك الزراعة والتجارة وغيرها من المجالات المهمة».
الخلاصة الأهمّ لهذا المسار التطبيعي، أنه يتجاوز في رسائله وأهدافه مجرّد نسج علاقات بين كيانات سياسية مُحدَّدة وكيان العدو. فهو في الواقع استمرار للعدوان الإسرائيلي وللتوسّع الصهيوني بأدوات عربية، بهدف تصفية القضية الفلسطينية، ولهذه الغاية يأتي التطبيع كجزء من مخطّط إعادة تشكيل المعسكر الأميركي، والذي تؤدي فيه الدولة العبرية بشكل علني دوراً مركزياً، من أجل مواجهة محور المقاومة، وتعزيز مكانة إسرائيل الاستراتيجية في المنطقة، على أمل أن يسهم ذلك في بثّ روح اليأس في وجدان الفلسطينيين، عبر فرض طوق محكم عليهم، ودفعهم إلى التسليم بالوقائع الجديدة، بذريعة أنه لم يعد هناك عمق عربي يستندون إليه في المواجهة. وهكذا، يتّضح في كلّ مقاربة لتطوّرات البيئة الإقليمية والخطوات التطبيعية التي تتوالى، أن من أهمّ عوامل إحباط المخطّط المذكور صمود الشعب الفلسطيني وتمسّكه بالمقاومة، التي لا يتردّد قادة العدو في الاعتراف بأن محورها بات يهدّد أمنه القومي ومستقبل وجوده في المنطقة.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا