مع نهاية القرن التاسع عشر، تحالفت الحركة الصهيونية العالمية مع نظام الإمبريالية الغربية. تزامنت هذه الظاهرة مع توطيد الحكم الاستعماري في أفريقيا والفصل العنصرى المؤسسي في الولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي، فإنّ النضال ضد قوانين جيم كرو والفصل العنصري ولتحرير ثوري حقيقي للشعوب المضطهدة في أفريقيا والولايات المتحدة، سيكون على تعارض حتماً مع الجهود الموجّهة نحو بناء الدعم لدولة إسرائيل ومع الأهداف السياسية للصهيونية.وفقاً لإسماعيل زيد، في دراسته البحثية عام 1980 بعنوان «الصهيونية: الأسطورة والواقع»، انبثقت «الصهيونية، كعقيدة سياسية حديثة، في أوروبا، كأيديولوجيا سياسية معترف بها، في نهاية القرن التاسع عشر مع ثلاث صفات أساسية متأصّلة هي بالتحديد: الاستعمار الاستيطاني، العنصرية والتوسع». ويلاحظ أن أكثر الروابط المعروفة بين الحركة الصهيونية العالمية والاستعمار الأوروبي والفصل العنصري كانت في المستعمرات السابقة لروديسيا وجنوب أفريقيا. وبحسب زيد، فقد «شهدت الحركة الصهيونية منذ بدايتها تحالفاً منهجياً طبيعياً مع الإمبريالية الأوروبية. وقد شدّدت التطورات السريعة للقومية العدوانية والشوفينية في أوروبا على أن الصفات العرقية المتفوّقة كانت أساس الاستغلال و"المهمة الحضارية" تحت مفهوم "عبء الرجل الأبيض"».

وفي خلال المفاوضات التي تضمّنت المقترحات الصهيونية للتغلغل الأبيض في أفريقيا وآسيا، تحدّث ثيودور هرتزل، على غرار المفكرين الإمبرياليين في القرن التاسع عشر، عن الإمبريالية والاستعمار على أنهما «نشاط نبيل يهدف إلى جلب الحضارة إلى الأجناس المتخلّفة». وبهذا النظر إلى «الدولة اليهودية» بمنظار غربي أبيض، تأكد أن هذه الدولة مصممة «لتشكّل جزءاً من جدار دفاع عن أوروبا في آسيا وأفريقيا كموقع حضاري ضد البربرية». أيامها، قال جوزيف تشامبرلين، المنظّر الليبرالى العنصري البريطاني، لهرتزل مقترحاً: «لقد رأيت أرضاً لك في رحلاتي الأخيرة، وهي أوغندا. إنه ليس على الساحل، ولكن المناخ الداخلي ممتاز للأوروبيين». إلا أنه على الرغم من أن هرتزل فضّل بشدة أوغندا كموقع للدولة اليهودية، فإن اللجنة التي عيّنها المؤتمر الصهيوني العالمي لاستكشاف المنطقة وجدت أنها غير مناسبة، ومن ثمّ وخلال فترة الحرب العالمية الأولى أصدر اللورد بلفور إعلانه الذي استخدم كأساس قانوني للاستيطان الصهيوني وإنشاء دولة إسرائيل في نهاية المطاف في عام 1948 على أرض فلسطين. يسجّل زيد أيضاً أن «جهود هرتزل في إنكلترا تضمّنت التماس دعم الشخصيات الاستعمارية الكبرى، وعلى رأسها سيسيل رودس، مؤسس البؤرة الاستعمارية البريطانية في روديسيا خلال أواخر القرن التاسع عشر».
بحلول 1948، تزامن إنشاء دولة إسرائيل مع وصول الحزب القومي الوطني إلى السلطة في اتحاد جنوب أفريقيا، وعلى الرغم من الأيديولوجية المعادية للسامية للحزب ثبت موقف الحزب بقوة لمصلحة إسرائيل، ولمصلحة الجالية اليهودية في جنوب أفريقيا. وفقاً لريتشارد ب. ستيفنز، في دراسته حول ارتباط الأبارتايد بالكيان الصهيوني، لم يكن الارتباط فقط على نطاق التضامن الأبيض والحفاظ على نظام عرقي مسيطر، إذ خشيت دولة الفصل العنصري من أن معاداة الكيان الصهيوني ستؤدي إلى انسحاب رأس مال أثرياء اليهود. ولهذا، وطوال فترة الفصل العنصري، كان الكيان الصهيوني من أشدّ المؤيدين لها في حربها ضد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وباقي حركات التحرير الثورية في جنوب أفريقيا.
في الماضي، دعم الكيان الصهيوني الاستعمار والثورات المضادّة في القارة الأفريقية، واليوم هو ينال دعم بعض الطبقات الحاكمة


كذلك، في أنغولا، أيام الحرب الأهلية، دعم الكيان الصهيوني حركة «يونيتا» الرجعية لأن جوناس سافيمبي، عندما سيطر على شمال شرق أنغولا، كان يقايض الماس (لشركة تابعة لشركة «DeBeers» لها مكاتب فى تل أبيب) مقابل السلاح.
إذاً، في الماضي دعم الكيان الصهيوني الاستعمار والثورات المضادة في القارة الأفريقية، واليوم هو ينال دعم بعض الطبقات الحاكمة هناك، حيث الشركات الإسرائيلية، ذات الخبرة في مجال الاستخبارات والمراقبة والأمن السيبراني والأسلحة، تساعد هذه النخبة على الإمساك بزمام السلطة. وعلى مدار العقد الماضي، زادت الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى أفريقيا بأكثر من ثلاثة أضعاف، مثبتة أن مساعدة الدكتاتوريين على البقاء في السلطة طريقة فعّالة لإسرائيل لتكوين صداقات أفريقية.
لكن، في مقابل كل هذا، فشل الكيان في كسب تعاطف الشعوب الأفريقية التي لم تنس الإرث الصهيوني ماضياً وحاضراً. وبين 10 و 12 آذار 2022، التقى نشطاء من 21 دولة أفريقية في العاصمة السنغالية، داكار، لوضع استراتيجية وبناء حركة تضامن منسقة على مستوى القارة مع القضية الفلسطينية. كانت هذه المرة الأولى التي يعقد فيها تجمع غير حكومي كهذا في أفريقيا للتضامن مع فلسطين. وقد استضافت الفعالية Plateforme de Solidarieté Sénégal-Palestine (تحت شعار «من أفريقيا إلى فلسطين: متّحدون ضدّ الاحتلال)، وشارك فيها أعضاء من منظمات سياسية ونقابات مهنية وعمالية واتحادات طلابية من بوتسوانا والكاميرون وكوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديموقراطية وغامبيا وغانا وغينيا بيساو وكينيا وملاوي وموريتانيا والمغرب، وموزمبيق وناميبيا ونيجيريا والسنغال وجنوب أفريقيا وتنزانيا وتونس وزامبيا وزيمبابوي. ورأى مافا كوانيساي مافا، رئيس مجلس زيمبابوي للتضامن مع فلسطين (ZPSC)، أن «من غير المعقول أن نرحب بالكيان الصهيونى داخل أروقة الاتحاد الأفريقي الذي أسّس لردع السياسات الاستعمارية في القارة ويرمز إلى التضامن بين شعوب الجنوب». كما حضرت إيما نيريري، التي كان جدّها، جوليوس نيريري، رمز التحرر الوطني التنزاني، من بين أوائل قادة العالم الذين اعترفوا بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1973، وقالت إنها فخورة بأن حزب الشعب الأفريقي يواصل دعمه لفلسطين. أمّا زفيليفيل مانديلا، حفيد نيلسون مانديلا، فرأى أن «هذا [التجمع] يبعث برسالة قوية إلى شعب فلسطين مفادها أنك لست وحدك وأن شعوب أفريقيا تقف بجانبك في كفاحك كما وقفت إلى جانبنا خلال كفاحنا من أجل تحرير جميع أنحاء القارة».
هكذا يستمر ويتصاعد التضامن مع النضال الفلسطيني، ومع غيره من النضالات من أجل الاستقلال وتقرير المصير في الجنوب، إلى اليوم، حتى في أعقاب انتهاء الفصل العنصري واستقلال الدول المستعمرة السابقة في أفريقيا، وبرغم تعاون بعض الطبقة الحاكمة في هذه الدول مع الصهيونية، وصولاً إلى الموقف الأخير قبل أيام بتعليق عضوية إسرائيل بصفة المراقب في الاتحاد الأفريقي.