لم ينفّذ بايدن تهديداته ضدّ الرياض، وابتلع الإهانة تلو الأخرى
لم تكن التقييمات التي نشرتها الصحف الأميركية لنتائج لقاء بلينكن - ابن سلمان، مبشّرة أكثر من عشرات اللقاءات السعودية - الأميركية التي سبقته. إذ أظهرت أن السعودية غير معنيّة بالإغراءات الأميركية المتمثّلة بالتصريحات العلنية عن تطوير التعاون الدفاعي، والتسريبات عن إمكانية البحث في شروط سعودية تحدّثت عنها وسائل الإعلام الأميركية ومن بينها مبيعات أسلحة متطوّرة للرياض، وإقامة برنامج نووي سلمي لها، لكن مع ربط ذلك بالتطبيع مع إسرائيل. وقد حسم وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، اتجاه بلاده حين قال لمناسبة زيارة بلينكن، إن التطبيع فوائده محدودة، وإن المملكة ما زالت تركّز على «حلّ الدولتين». والواقع أن المغزى الفعلي لهذا التصريح هو أن التطبيع سيجلب كوارث للنظام السعودي على صعيد علاقته بشعبه، المتردّية أصلاً. وكذلك، ما زالت المملكة ترفض تخييرها أميركياً، بين العلاقة مع واشنطن والعلاقة مع كلّ من الصين وروسيا. فالقرار السعودي بالتحوّط من الاعتماد الأمني التاريخي على الولايات المتحدة، ثابت ولا رجعة فيه، بل إنه صار من الأسس التي يقوم عليها مشروع النظام للمستقبل. والجدير ذكره، هنا أيضاً، أن التنازلات الأميركية لابن سلمان، تشمل وقف استخدام ملفّ «حقوق الإنسان» الذي كانت تشهره واشنطن عندما تريد ابتزاز الرياض، بحيث صارت المطالبة الأميركية تقتصر على الإفراج عن من يحملون الجنسية الأميركية في السجون السعودية، بعدما كانت تشمل كثيرين غيرهم من المعارضين.
ولكن على رغم كلّ ما تقدّم، ما زال الرهان الأساسي للأميركيين يقوم على إنقاذ العلاقة مع الرياض، وما زالوا يعتقدون بإمكانية النجاح. فحتى تهديد ابن سلمان خضع لقراءات متباينة بسبب عدم اتّضاح ظروفه. فثمّة فارق كبير بين أن يكون الرجل قد وجّه هذا التهديد في حضرة أحد المسؤولين الأميركيين الذين زاروه، وبين أن تكون الولايات المتحدة قد علمت به عن طريق التنصّت، وهو ما لا توضحه الوثيقة المسرّبة. في الحالة الثانية قد يُحال الأمر إلى واحد من انفعالات الرجل التي لا يُعوّل عليها كثيراً، ولا تقدّم صورة كاملة لما يجري في العلاقات بين الجانبين. الأهمّ من ذلك أن التفاوض الحقيقي لا يجري على وسائل الإعلام. فثمة ملفّات كثيرة بين السعودية والولايات المتحدة، بعضها يتعلّق بابن سلمان شخصياً، كالملفّ القضائي، وبالموقف الأميركي من حكمه، لم يرِد شيء في شأنها. وبلا شك، تملك الولايات المتحدة الكثير لتتفاوض عليه مع نظام لها مساهمة كبيرة في بنائه واستمراره، وتعرف كلّ تفاصيله، ولديها علاقات واسعة مع كلّ مستوياته، وتستطيع حين تُواجَه باحتمال خسارة العلاقة مع الرياض، أن تضرب وتؤذي، وصولاً حتى احتمال التصفيات الجسدية.