وممّا أسهم أيضاً في فشل الهدن، الحملات الإعلامية المساندة للقوات المسلّحة خصوصاً، والتي نجحت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية المختلفة في تكوين رأي عام مؤثّر يدعو الجيش صراحة إلى عدم قبول أيّ هدنة وفق أيّ شروط، ومواصلة القتال حتى تحقيق النصر. وعلى الجانب الآخر، واصلت «الدعم» تمدُّدها في مناطق الخرطوم، ومحاولاتها المتكرّرة للاستيلاء على مقارّ الجيش من خلال قصفها ومحاولة اقتحامها، ما زاد من حدّة الاشتباكات داخل الأحياء، وجعل الطرفَين يتقاسمان خرق أيّ هدنة معلنة.
توحي التطورات الميدانية بأن الجيش بدأ عملية شاملة للقضاء على قوات «الدعم السريع» وإخراجها من الخرطوم
ومع قرب دخول الحرب شهرها الثالث، ازدادت حدّة القتال في مختلف أنحاء العاصمة. فبعد لحظات قليلة من انتهاء هدنة الـ24 ساعة الأخيرة، حرّك الجيش آلياته الثقيلة وبدأ بتمشيط كلّ أحياء مدن الخرطوم الثلاث التي تنتشر فيها قوات «الدعم السريع» بشكلٍ كبير، فيما شهدت بعض الأحياء التي ظلّت بعيدة عن محيط الاشتباكات في الفترة الماضية، قتالاً ضارياً منذ فجر الأحد الماضي، مثل منطقة الحاج يوسف القريبة من أبرز مناطق تمركز «الدعم» في شرق النيل. كذلك، امتدّ القتال إلى ضاحية الكلاكلة جنوب الخرطوم، والقريبة من مجمع التصنيع الحربي ومستودعات البترول، كما تعرّضت بعض قرى شمال بحري لقصف عنيف بالطيران، وهو ما أوحى بأن الجيش بدأ زحفاً متزامناً في كل الأحياء، بهدف القضاء على «الدعم السريع» وإخراجها من العاصمة.
وبحسب مصدر عسكري تحدث إلى «الأخبار»، فإن الجيش استخدم في معاركه الأخيرة المدفعية الصاروخية، وهي معروفة بدقّتها العالية، كما شاركت قوات المشاة في المعارك، وإنْ على نطاق ضيّق. وأبدى المصدر استغرابه لعدم حسم الجيش المعركة حتى الآن، على رغم ما يتوفّر لديه من عتاد، قائلاً إن هناك غموضاً في إدارة وسير هذه الحرب. لكنه عاد وفسّر ذلك باحتمالية وجود مباحثات غير معلنة بين الطرفين من خلال منبر آخر غير منبر جدة.
في خضمّ ذلك، نقل شهود عيان أن الوضع على الأرض لم يتغيّر، حيث يتواصل الانتشار الكثيف لقوات «الدعم السريع» في معظم شوارع وأحياء الخرطوم على رغم القصف المتواصل، ما رسّخ قناعة لدى كثيرين بأن أمد الحرب سيكون طويلاً ومفتوحاً على كلّ الاحتمالات. وتتشكّل، على الجانب الآخر، قناعة مفادها بأن الطريق الوحيد لإيقاف هذه الحرب هو التفاوض والوصول إلى اتفاق يضع حداً للقتال، ويبدأ معه بناء واقع سياسي جديد، يكون فيه للعسكريين حضور كبير، وكأنّ هذا الدمار الشامل لعاصمة البلاد هو الثمن لإثبات أهمية وجود المؤسسة العسكرية في العملية السياسية، على عكس ما ظلّ قادتها يكرّرونه من أنهم سيعودون إلى ثكناتهم استجابة لرغبة المدنيين.