في مطلع الشهر الجاري، اجتمعت قيادات الصفّ الأول في حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في العاصمة المصرية القاهرة، في ما بدا وكأنه الاجتماع البروتوكولي الذي يَخلف كلّ جولة تصعيد إسرائيلية. وعلى رغم أن اللقاءات مع جهاز المخابرات المصرية العامّة، لم تحمل أطروحات جديدة حول هدنة طويلة المدى، إلّا أن المسعى المصري إلى تثبيت الهدوء لأطول مدّة ممكنة كان واضحاً. وبالتوازي مع انطلاق المسار السياسي، لوحظ تدنّي الجهد الاستخباري الإسرائيلي إلى أقلّ مستوياته خلال أيام اللقاءات الثلاثة؛ إذ حافظ سلاح الطائرات المسيّرة على مستوى محدود من التحليق، قبل أن يعاود نشاطه بكثافة مساء الـ6 من حزيران الجاري، عندما حلّقت أعداد كبيرة من الطائرات المسيّرة في أجواء القطاع كافة، إلى جانب سرب آخر من الطائرات الحربية امتدّ من سماء رفح جنوبي القطاع وحتى بيت حانون شماليه. غير أن التطوّر الأكثر أهمّية تَمثّل في إرسال جهاز الأمن العام الإسرائيلي، «الشاباك»، رسائل عبر تطبيق «واتسآب» إلى جيرانِ مطلوبين من «حركة الجهاد الإسلامي»، طالبهم فيها بالضغط على «القيادي المذكور اسماً بنصّ الرسالة، لترك منزله في العمارة السكنية التي يقطنها، كي لا يتعرّضوا للخطر»، بالتوازي مع حملة مداهمة لعدد من منازل عائلات المبعدين إلى غزة، في الضفة الغربية المحتلة.تلك التطوّرات مجتمعة تقرأها مصادر في المقاومة، على أنها نوع من المواكبة المخابراتية الإسرائيلية لما يمكن أن تتمخّض عنه التفاهمات التي لم تأتِ بكلّ تأكيد بأيّ جديد، موضحةً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المصريين يدركون سلفاً موقف الجهاد الإسلامي تجاه مختلف الملفّات التي من شأنها أن تقود إلى التصعيد، ولذا، فإن قضايا مِن مِثل دعم خلايا المقاومة في الضفة، والدفاع عن المسجد الأقصى، لم تُطرح على وفد الحركة هناك، بل أبدى الأمين العام، زياد النخالة، موقفاً واضحاً بأن ثأر الأحرار لم تغيّر من نهج الحركة شيئاً، إنّما زادتها إصراراً على مواصلة طريقها، الذي لا شكّ يؤذي الاحتلال ويقوّض استقراره وخطواته». وتقدّر المصادر نفسها أن «المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية حاولت من خلال الخطوات الأمنية والاستعراضية التي أعقبت لقاءات القاهرة، ممارسة نوع من الضغط النفسي، واستندت في ذلك إلى معطيات مغلوطة عن شخصيات تظنّها مرشّحة لتقلّد مناصب في داخل المجلس العسكري للسرايا، وهي أدركت أيضاً، أن نتاجات معركة "ثأر الأحرار" لم تأتِ على دافعية القتال لدى الجهاد، ولم تغيّر في سلوكها الميداني وعقيدتها المقاومة».
المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية حاولت من خلال الخطوات التي أعقبت لقاءات القاهرة، ممارسة نوع من الضغط النفسي


بدوره، يلفت حسن عبدو، وهو كاتب ومحلّل سياسي مقرّب من «الجهاد»، إلى أن «المقاومة لا تأمن جانب العدو، خصوصاً أن أيّاً من الأطراف الفلسطينية، وعلى رأسها الجهاد، لم تقدّم أيّ ضمانات لأيّ من الجهات بالتزام الهدوء خلال مدّة زمنية معيّنة، بل ربطت هدوء الميدان بالسلوك الإسرائيلي الذي لا ينبئ في ظلّ الحكومة اليمنية المتطرّفة، بأنه في وارد الهدوء»، مضيفاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الاحتلال يعلم أنه لم يستطع من خلال سياسة الاغتيالات، لا ترميم قوة الردع، ولا ردع الجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة، ولذا، فإن الميدان ما زال مفتوحاً على كلّ الاحتمالات».
وبالعودة إلى لقاءات القاهرة، يبيّن مصدر في «الجهاد»، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «زيارة النخالة حملت طابعاً بروتوكولياً، عبّرت من خلاله قيادة الحركة عن شكرها للدور المصري، وطيّبت خواطر بعض الشخصيات الأمنية المصرية التي أبدت انزعاجها من تعاطي الجهاد غير الإيجابي معها خلال جولة القتال الأخيرة». كما تضمّنت الزيارة عقد مجموعة من اللقاءات الداخلية، التي التأم فيها المكتب السياسي المنتخَب للحركة منذ ثلاثة أشهر، للمرة الأولى، وجدّد أعضاؤه «البيعة» للأمين العام الحالي لولاية جديدة. كذلك، عُقدت لقاءات مكثّفة بين قيادات «حماس» و«الجهاد»، ناقش فيها الوفدان جملة من القضايا ذات الصلة بتنسيق الجهد القتالي خلال المعارك مع الاحتلال، وتبادلتا جهات النظر حول إدارة الصراع في الفترة المقبلة.