استبقت وسائل الإعلام الإسرائيلة عملية اغتيال قادة المجلس العسكري لـ«سرايا القدس»، بزوبعة من أخبار التسهيلات الاقتصادية والمعيشية، ومنها الفتح الدائم لمعبر رفح البري، وتزويد قطاع غزة بالكهرباء، ومضاعفة مستوى التبادل التجاري والاقتصادي مع مصر عبر بوابة صلاح الدين، وصولاً إلى الحديث عن موافقة أميركية على منح حركة «حماس» حصّة من الغاز المقرَّر استخراجه من بحر القطاع في المدّة المقبلة، وفتح منفذ بحري يربط بين ميناء غزة وميناء العريش المصري، كلّ ذلك بالتوازي مع حديث إسرائيلي عن تقدّم في مباحثات صفقة تبادل الأسرى. إلّا أنه مع اندلاع معركة «ثأر الأحرار»، ومن ثمّ انتهائها، غاب الحديث عن تلك الاختراقات، لتتزاحم فجأةً جملة من الأزمات الغامضة، منها تعذّر صرف المنحة القطرية، وتأجيل الحديث عنها إلى منتصف حزيران الجاري، ثمّ الوقف الجزئي لبرنامج القسائم الشرائية التي يموّلها «برنامج الأغذية العالمي» التابع للأمم المتحدة وتصرفها «مؤسّسة الإسكان التعاوني» (CHF) ويستفيد منها منذ عام 2009 نحو 35 ألف مواطن. مع هذا، وفي منتصف الأسبوع الماضي، عادت قناة «مكان» الإسرائيلية وتحدّثت مجدّداً عن تقدّم في «مباحثات سرّية» بين فصائل المقاومة وإسرائيل، لإبرام هدنة طويلة الأمد، تنصّ وفق ما ادّعاه مراسل القناة، حسن أبو زيد، على فتح معبر رفح، وتوسيع مساحة الصيد بحدود 20 ميلاً بحرياً، والسماح بدخول جميع البضائع إلى القطاع ومن بينها السيارات وقطع الدراجات النارية، والانتظام في صرف المنحة القطرية، واعتماد مطار العريش الدولي لسفر سكان غزة إلى مختلف دول العالم. ونقل أبو زيد تلك التفاصيل عن مصادر مصرية، وادّعى أن فصائل المقاومة أعطت موافقة مبدئية على الطرح الجديد، فيما نفت الأخيرة ذلك جملة وتفصيلاً، فما الذي يجري؟
وفقاً لتقدير المقاومة، فإن الأولوية الإسرائيلية الحالية تتمثّل في القضاء على خلايا المقاومة في الضفة، وعزل المقاومة في غزة عن المشهد الضفاوي، ومن ثمّ تحييد القطاع تماماً عن أيّ توتّر يمكن أن يندلع في الإقليم، ولا سيما في الجبهة الشمالية المتوتّرة. وبينما يبدو تحقيق اختراق كهذا بعيد المنال، بالنظر إلى أن الفصائل، ولا سيما «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، ترفض إعطاء أيّ شكل من الضمانات بالوقوف على الحياد في ما يتعلّق بأحداث الإقليم، أو عزل نفسها عن ملفّات حساسة في الداخل من مثل الضفة الغربية والقدس، فإن الوسطاء العرب والدوليين، يسعون وفق ما تقدّره مصادر سياسية في المقاومة، إلى «تضخيم ثمار الهدوء، عبر تقديم فيض هائل من الإغراءات المعيشية، وتهويل خسائر الإقدام على أيّ جولة قتال». وتوضح المصادر، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «مصر لم تطرح بشكل واضح مطلب عدم التدخّل في الضفة، لكنها اجتمعت مع رئاسة العمل الحكومي في غزة، وقدّمت برنامجاً إنمائياً يحتاج تطبيقه إلى هدوء يستمرّ سنوات. وبالتوازي مع ذلك، وصلت رسائل إيجابية إلى حماس بأن الأميركيين لم يعترضوا على أن تنال الحركة حصّة من ورادات حقول الغاز. وهذا كلّه معناه، أن تحصيل هذه المكتسبات بحاجة إلى إطالة أمد الهدوء، المعلَن أو غير المعلَن، لأطول فترة ممكنة».
وإذ يبدو واضحاً سعي إسرائيل إلى إرساء الهدوء على جبهتَي غزة والضفة تحسّباً لأيّ اشتعال على جبهة لبنان، واستعدادها لدفع أثمان باهظة في سبيل ذلك، مِن مِثل مضاعفة الإغراءات الإنسانية التي يتعطّش إليها القطاع، وأيضاً مضاعفة حدّة التهديد باغتيال قيادات فصائل المقاومة كافة، فإن «أطروحات الهدوء بالصيغة المتخيّلة حالياً، تعاند المنطق، لكونها تمسّ مبرّر وجود وشرعية فصائل المقاومة»، كما يعتقد المحلّل السياسي، إسماعيل محمد، معتبراً أنه ليس من المتوقّع أن يعطي أيّ فلسطيني «شيك هدوء مفتوح، يسمح لحكومة الاحتلال بممارسة أعلى مستويات توسّعها وإجرامها، من دون أيّ ضريبة أو ردّة فعل». وفي هذا الإطار، يلفت محمد إلى أن «الضفة على بساطة إمكاناتها، تشغل أكثر من 20 كتيبة من قوات جيش الاحتلال، ومنذ سنتين، يركّز العدو كلّ جهده على القضاء الناجز على تلك الحالات، من دون نتيجة جذرية»، متسائلاً: «إذا كانت الضفة بحاجة إلى إشغال 20 كتيبة، فكم من القوات والتوتّر الداخلي من الممكن أن تصنعه غزة، إذا ما قرّرت أن لا تبقى على الحياد في أيّ جولة متعدّدة الجبهات، ونحن رأينا مدى هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية خلال معركة "ثأر الأحرار" في مواجهة 1500 صاروخ أُطلقت من غزة فقط».