كشفت وسائل إعلام إماراتية أن «المجلس الانتقالي الجنوبي» جادٌّ إزاء مسألة إسقاط حكومة معين عبد الملك، التي يتقاسمها مناصفةً مع المكونات الأخرى، وأن في مستطاعه، وفق مصادر، اتّخاذ خطوات قوية، وخصوصاً بعدما أرفق تصعيده ضدّ «الحكومة الشرعية» بإجراء تمثّل في منْعه تحويل إيرادات المحافظات الجنوبية إلى المصرف المركزي. ولم تستثنِ الاتهامات بالمسؤولية عن الانهيار الاقتصادي والفساد المستشري في المؤسسات الرسمية، رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، وبقية أعضاء مجلسه والقوى السياسية اليمنية القريبة، فيما يرى مراقبون أن الصراع في جنوب اليمن يمثّل انعكاساً لتضارب النفوذ بين السعودية والإمارات. ويبدو أن الصراع بين وكلاء كلٍّ من الرياض وأبو ظبي سينتقل إلى أشكال أكثر تعقيداً، وسط حديث عن اعتزام «الانتقالي» اللجوء إلى «إدارة الأوضاع في المناطق التي يسيطر عليها بنفسه، ومن دون أيّ شراكة مع قوى شمالية، وهذا ينسجم مع تطلعاته إلى استعادة دولة الجنوب».وفي بداية الأسبوع الجاري، شنّ عضو «الرئاسي»، عبد الرحمن أبو زرعة المحرمي (سلفي)، هجوماً عنيفاً ضدّ عبد الملك، معتبراً أنه «يعمل من دون حسّ وطني»، وواصفاً إيّاه بأنه «كثير الكلام وقليل الإنتاج». من جهتها، لفتت أوساط المحرمي إلى أن هذا الأخير وجّه أكثر من مذكرة بخصوص الفساد لعبد الملك، الذي تجاهل الردّ على توصيات اللجنة المكلّفة بمحاربة الفساد. وقد أعقب تصريح المحرمي عدّة إجراءات أحادية قام بها «الانتقالي» مِن مِثل قرار محافظ عدن، أحمد لملس، وهو أيضاً قيادي في «الانتقالي»، الذي قضى بمنع توريد مداخيل محافظة عدن إلى «المركزي». وتأكيداً على جدية قراره، اجتمع لملس إلى مسؤولي عدد من المرافق بما فيها الضرائب والجمارك، بعدما رفضت الحكومة تحمّل مسؤولية تأمين الوقود، على رغم أن محافظة عدن تشهد انهياراً في منظومة الكهرباء وتزايداً في ساعات انقطاع التيار، يصل إلى 18 ساعة في اليوم، جرّاء نفاد الوقود وتوقّف منحة المشتقات النفطية السعودية، وعجز حكومة عبد الملك عن توفير الوقود. ولكن هذه الأخيرة لم تتأخر في الردّ على إجراءات المحافظ، فأصدرت «الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد» بياناً طالبت فيه لملس بالكشف عن مصير سبعة ملايين دولار تم التصرّف بها لمصلحة شركة أجنبية مقابل توريدها مولدات كهربائية، وهو ما لم يحصل، على رغم مرور عام على توقيع الاتفاق.
رفضت السعودية طلب عبد الملك إعادة فرض قيود على ميناء الحديدة


غير أن الصراع لم يقتصر على حكومة عبد الملك، بل تعدّاه ليشمل الكثير من المكونات الجنوبية، ولا سيما تلك التي تدعو إلى الانفصال. فقد أصدر «الانتقالي» بياناً سياسياً بعد اجتماع هيئته الرئاسية، وجّه فيه إلى الحكومة ورئيسها عدّة تهم تتعلّق بـ«الفساد والإفقار المتعمّد للمواطن، والتآمر على لقمة وخدمات الإنسان الجنوبي وقضيته الوطنية»، وبأنها «فاقدة للإحساس بالمسؤولية، وأفرغت الخزائن من الأموال». واللافت في البيان، توجيهه تحية لقرار محافظ عدن استخدام الإيرادات لتغطية المتطلّبات الخدمية في المدينة التي «تعيش وضعاً كارثياً مأسوياً من دون كهرباء في صيف مميت، وغلاء الأسعار وتردّي الخدمات». كذلك، دعا البيان، كل المحافظات الجنوبية والشرقية إلى اتخاذ القرار نفسه، وهو ما استجاب له محافظ شبوة، بن الوزير، الذي أعلن تعليق إرسال إيرادات المحافظة إلى «المركزي»، واعداً باستئناف مدّ محطّة «الرئيس» في عدن بالوقود اللازم.
في الوقت نفسه، تعترف حكومة عبد الملك بالتقصير في أدائها الاقتصادي والخدمي، مشيرة إلى أن الاقتصاد اليمني يواجه تداعيات قاسية، وتقلّصاً في حجم الإيرادات إلى مستوى كارثي، عازية ما تقدَّم إلى استهداف موانئ النفط من جانب حكومة صنعاء ووقف تصدير النفط، فضلاًَ عن تحويل الاستيراد إلى ميناء الحديدة، وإيقاف حكومة «الإنقاذ» استيراد غاز مأرب. وكانت صادرات النفط في اليمن قد توقّفت اعتباراً من تشرين الأول من العام الماضي، إثر هجمات شنّها سلاح المسيّرات التابع لحركة «أنصار الله» على عدد من الموانئ النفطية الخاضعة لسيطرة «الشرعية» في محافظتَي حضرموت وشبوة. كذلك، تقدّر حكومة عبد الملك أنها فقدت نصف إيراداتها الضريبية والجمركية، التي كانت تحصل عليها قبل رفع القيود عن ميناء الحديدة مطلع العام الجاري، ما أدى إلى تراجع أداء ميناء عدن الاستراتيجي وموانئ جنوب اليمن. وعلى هذه الخلفية، طالب عدد من المسؤولين، بمن فيهم عبد الملك، السعودية، بإعادة فرض القيود والحصار على ميناء الحديدة، رداً على إصدار حكومة صنعاء تعميماً للتجار لحصر الاستيراد بالمحافظات الشمالية، إلّا أن الطلب المتقدّم قوبل بالرفض من جانب المملكة، خشية ردّ فعل «أنصار الله».