غزة | في الوقت الذي يتمسّك فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي «الشاباك»، بدور السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلّة على رغم معارضة اليمين المتطرّف في حكومة بنيامين نتنياهو، لذلك، تُواصل السلطة جهودها لالتقاط الفرصة واستثمارها في تقوية نفسها وإضعاف المقاومة في مدن شمال الضفة، بدعم إقليمي وعربي. ومنذ عامين، وضعت السلطة، بالتعاون مع الاحتلال وعدد من الأطراف الإقليمية، التعامل مع حالات المقاومة في جنين ونابلس وطولكرم، وإعادة السيطرة على تلك المناطق، وإنهاء العمل العسكري المقاوم الذي يرفضه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، فيها، على رأس أولوياتها. وعلى مدار العامَين الماضيَين، حاولت السلطة استخدام القوة لفرض سيطرتها في شمال الضفة، وقد بدأت بمخيّم جنين، عبر محاولة افتعال إشكاليات مع عناصر «كتيبة جنين». وبرغم فشلها في غير منطقة في مخطّطها الذي كان يهدف إلى جمع السلاح من أيدي المقاومين، إلّا أنها لم تيأس وواصلت عملها بدعم إسرائيلي وإقليمي، خشية انهيارها.وبحسب مصادر في السلطة تحدّثت إلى «الأخبار»، فقد عملت الأجهزة الأمنية، في مواجهة تنامي العمل المقاوم في الضفة، على مسارات عدّة، أبرزها محاولات السيطرة على السلاح في السوق السوداء، عبر تجنيد العاملين في تهريب السلاح وتنفيذ عمليات شراء مكثَّفة له، وهو ما أدّى إلى ارتفاع أسعار الأسلحة الرشّاشة والرصاص بأكثر من 10 أضعاف. وفي مسار ثانٍ، استغلّت الأجهزة الأمنية المخاوف «الفتحاوية» من حركة «حماس»، لتنفّذ حملات عديدة لاعتقال العشرات من نشطاء «حماس»، وخاصة مَن تشكّ في إمكانية أن يكون لهم نشاط عسكري في المقاومة. وفي هذا الإطار، أعلن مدير «الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان»، عمار دويك، أن الهيئة سجّلت عشرات حالات الاعتقال السياسي في الضفة مقابل عدم تسجيل أيّ حالة في غزة منذ بداية 2023، مضيفاً أن الاعتقالات السياسية في الضفة زادت بشكل كبير جدّاً في العام الجاري، و«(أنّنا) تلقّينا 13 شكوى على الأقل عن حالات اعتقال سياسي، وهذا بحاجة إلى اتفاق سياسي لوقفه كي لا تزداد الأمور سوءاً».
حاولت السلطة السيطرة على السوق السوداء، عبر تجنيد العاملين في تهريب السلاح وتنفيذ عمليات شراء مكثَّفة له


أمّا على المسار الثالث، فقد عمدت السلطة، بحسب المصادر، إلى «إجراء مفاوضات مع المقاومين الذين ينتمون إلى المجموعات العسكرية الناشئة في الضفة، وعلى رأسها كتيبة جنين وعرين الأسود، بهدف إقناعهم بتسليم أنفسهم ووقف العمل المقاوم ضدّ الاحتلال، وشراء الأسلحة التي بين أيديهم وإصدار عفو عنهم من قِبَل الحكومة الإسرائيلية، فيما حاولت الضغط على آخرين من خلال عائلاتهم وأقاربهم بهدف التأثير عليهم ووقف توجّههم نحو المقاومة». ولقيت السلطة، في مساراتها تلك، دعماً إسرائيلياً - إقليمياً؛ إذ عَقدت خلال العامَين الماضيين أكثر من 30 اجتماعاً تنسيقياً ومعلوماتياً مع الجانب الإسرائيلي، على مستويات مختلفة منها سياسي وأغلبها أمني، فيما جاءت الاجتماعات الإقليمية بحضور إسرائيلي وعربي وأميركي، وحملت بعداً خاصاً تَمثّل في مطالبة السلطة بدعمها اقتصادياً وأمنياً للسيطرة على حالة المقاومة في الضفة.
وعلى رغم الحرج الذي تعيشه رام الله والضغط الشعبي الذي تتعرّض له، واتّساع دائرة تأييد المجموعات المقاومة مقابل تراجع شعبية السلطة، إلّا أن قادة هذه الأخيرة لا يزالون يضغطون لإنهاء تلك المجموعات، لما يستشعرون فيها من خطر على وجودهم كونها «المشروع البديل» من مشروع التفاوض والحلّ «السلمي». وكشف استطلاع للرأي أجراه «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية»، ما بين 7 و11 حزيران الجاري في قطاع غزة والضفة الغربية، أن غالبية الفلسطينيين يؤيّدون المقاومة المسلّحة ضدّ الاحتلال؛ إذ قال 71% من الجمهور إنهم مع تشكيل مجموعات مقاومة لا تخضع لأوامر السلطة وليست جزءاً من قوى الأمن الرسمية، مقابل 23% قالوا إنهم ضد ذلك. أيضاً، أبدى 80% معارضتهم تسليم أفراد المقاومة أنفسهم وأسلحتهم للسلطة لحمايتهم من اغتيالات الاحتلال، مقابل 16% قالوا إنهم يؤيّدون هذا «الحلّ». وفي الاتّجاه نفسه، اعتبرت أغلبية ساحقة (86%) أنه لا يحق للسلطة اعتقال أفراد المجموعات المقاومة لمنعهم من القيام بأعمال مسلحة ضدّ الاحتلال أو لتوفير الحماية لهم، مقابل 11% فقط خالفوا الرأي المتقدّم.