على الرغم من كل الإجراءات الأمنية المشدّدة التي يتّخذها العدو في الضفة الغربية، وخصوصاً في المناطق القريبة من المستوطنات الإسرائيلية، حيث مستوى التهديد يبدو مرتفعاً، خصوصاً في ظلّ ارتفاع وتيرة اعتداءات الاحتلال على مدن الضفة وبلداتها، وما يُتوقّع من جرائها من ردود فعل، نجح مقاومان اثنان، في تجاوز إجراءات العدو وأجهزته الأمنية المختلفة، ووصلا بسيارة إلى محطة وقود في شارع رقم 60 في مستوطنة «عيلي» الواقعة بين مدينتي نابلس ورام الله، وأطلقا النار من سلاحي «M16»، على حارس أمن، وعدد من المستوطنين الذين كانوا في مطعم «حمّص إلياهو»، الواقع في المكان، ثم على مستوطنيْن كانا خارجاً. وتمكّن أحد المستوطنين المتواجدين في المكان من إطلاق النار على أحد المقاومَين، وهو مهند شحادة، ليستشهد على الفور، وتقع إلى جانبه بندقيته من طراز «M16»، بعدما أطلق منها ما يزيد على 30 رصاصة، بحسب التقارير العبرية. وبينما استشهد شحادة، تمكّن المقاوم الآخر من الانسحاب من مكان العملية، بعدما سيطر على سيارة «تويوتا» تعود إلى أحد المستوطنين، وتوجّه بها إلى منطقة طوباس، التي تبعد عن موقع العملية نحو 50 كم، قبل أن تتمكّن قوات من «اليمام» الإسرائيلية من قتله، ليتبيّن أنه الشهيد خالد مصطفى عبد اللطيف الصباح. وحتى مساء أمس، كانت الحصيلة النهائية للعملية، 4 قتلى إسرائيليين، وجريح في حالة موت سريري، و3 جرحى تتوزّع إصاباتهم بين الطفيفة والمتوسّطة.وفي حين باركت مختلف فصائل المقاومة العملية، ونعت الشهدين، تبنّت حركة «حماس»، في بيانين رسميّين، الشهيدين المنفّذين، وأعلنت أنهما أسيران سابقان لدى العدو، وينتميان إلى «كتائب القسّام»، وهما من قرية عوريف جنوب غرب نابلس، وأن العملية جاءت رداً على «مجزرة جنين» التي ارتكبتها قوات العدو الإسرائيلي، قبل يومين، في مدينة جنين ومحيطها، وأسفرت عن وقوع 7 شهداء، عقب وقوع القوات المقتحِمة في كمين محكم أعدّته المقاومة هناك، حيث فجّرت عبوات ناسفة بآليات العدو، فأعطبت بعضها، وجرحت 6 جنود صهاينة. وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن المنفّذين ينتميان إلى حركة «حماس» علناً، وأحدهما طالب في «جامعة النجاح»، وهو من أعضاء «الكتلة الإسلامية»، جناح الحركة في جامعات الضفة الغربية، وكان قد اعتُقل سابقاً لدى أجهزة السلطة الأمنية، إضافة الى اعتقاله من قبل قوات العدو، حيث كان إلى جانب زميله المنفّذ الثاني، في زنزانة واحدة في سجن مجدّو عام 2020. ورغم هذا الماضي الأمني للمنفّذَين، إلا أن العدو لم يكن يملك أي معلومات استخبارية حول نيّتهما، أو غيرهما، تنفيذ عملية من هذا النوع في ذلك المكان، بحسب التقارير الإعلامية الإسرائيلية. وتُعتبر عملية «عيلي»، سادس عملية توقع إصابات منذ بداية الشهر الحالي، وهي العملية الرقم 147 خلال عام 2023 (من بين هذه الأخيرة 120 واقعة إطلاق نار). وبهجوم أمس، يرتفع عدد القتلى الإسرائيليين جرّاء عمليات المقاومة، منذ بداية العام، إلى 27، مقارنة بـ 33 قتيلاً في عام 2022 بأكمله.
رجّحت التقارير العبرية اقتراب الأمر من عملية عسكرية مركّزة في شمال الضفة الغربية


وهاجت وماجت إسرائيل غضباً وجزعاً عقب العملية، وراح مسؤولو الكيان، الأمنيون والسياسيون، يطلقون تصريحات تهديد ووعيد ويتراشقون بالاتهامات في ما بينهم. وناشد وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، الذي وصل إلى موقع العملية على عجل، كعادته، ناشد «حمل السلاح»، قائلاً «إنه ينقذ حياتكم»، بعدما «تحوّل المستوطنون إلى بطٍّ في حقل رماية» على حدّ تعبيره. كما طالب بن غفير، رئيس الحكومة ووزير الأمن، بـ«الخروج إلى عملية عسكرية في الضفة الغربية»، مشدداً على ضرورة «العودة إلى سياسة الاغتيالات المركّزة من الجو، وهدم المباني، وإقامة حواجز على الطرق، وترحيل منفّذي الهجمات، والمصادقة على قانون عقوبة الإعدام بحقّهم في القراءتين الثانية والثالثة (في الكنيست)». لكن خطاب بن غفير التصعيدي والتهديدي، لم يلقَ آذاناً صاغية لدى رئيس الحكومة ووزير الأمن، وأيضاً مسؤولي الأجهزة الأمنية، إذ «مثلما لم يستمعوا له حول غزّة، فلن يستمعوا إليه بخصوص الضفة الغربية، والعمل يتمّ وفقاً لاعتبارات مهنية، وذات صلة فقط، وكلّ الخيارات مطروحة على الطاولة»، بحسب أحد المسؤولين الأمنيين في تصريحات إعلامية. كما ظهرت عضو «الكنيست»، ليمور سون هار ميليخ، في مقطع فيديو، وهي تبكي على منبر «الكنيست» بعد العملية، مطالبةً بشنّ عملية «سور واقٍ 2»، وقالت: «نحن نطالب بعملية عسكرية في الضفة، وإذا لم يستوعب أحد بعد لماذا هذه العملية مطلوبة، فقد حصلنا على إجابة اليوم». أما زميلها في «الكنيست»، تسفي سوكوت، فقال: «فشلنا، إحساس بالخزي، لا يمكننا الجلوس في حكومة لا تهتمّ بما يكفي بالأمن، يجب شنّ عملية واسعة في الضفة». بدوره، قال الجنرال في الاحتياط، أمير أڤيڤي، إن «الحديث عن صراع عمره أكثر من 100 عام. لا يمكنك أن تضع جندياً أو شرطياً في كل مكان. يجب أن يكون الحل بتسليح الأمة، وإقامة الحرس الوطني»، وهو مطلب بن غفير الدائم. كذلك، نظّم مستوطنون يسكنون في المنطقة، عدّة تظاهرات مساء أمس، تحت عنوان: «لا يمكن الجلوس ساكتين عندما تراق دماؤنا»، فيما طالب رئيس المجلس الاستيطاني في «بيت إيل»، شاي ألون، الحكومة، «بالتحرك، والبدء بعملية»، معتبراً أنه «من المستحيل الاستمرار في احتواء الموتى والسماح للفلسطينيين بحيازة الأسلحة وذبحنا مثل البطّ».
وبعد مرور نحو 3 ساعات على وقوع العملية، انعقد اجتماع للمجلس الوزاري الأمني والسياسي المصغّر «كابينت»، في تل أبيب، برئاسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لتقييم الوضع. وكان قبل ذلك، أعلن وزير أمن الاحتلال، يوآف غالانت، عقد جلسة لتقييم الأوضاع الأمنية، بمشاركة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، ورئيس «الشاباك»، رونين بار، بالإضافة إلى كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية. وفي حين لم ترشح معلومات دقيقة حول ما تمّ الاتفاق عليه في الجلسة، رجّحت التقارير العبرية اقتراب الأمر من عملية عسكرية مركّزة في شمال الضفة الغربية، خلال الساعات والأيام المقبلة، حيث أعلن المتحدث باسم جيش العدو، إرسال تعزيزات إضافية من القوات إلى الضفة الغربية، ابتداءً من الليلة (أمس)، بينما أكّدت قناة «كان»، «وجود خلاف داخل المنظومة الأمنية والمستوى السياسي، حول نطاق العملية العسكرية وآثارها». وفي المقابل، سخر صحافيون إسرائيليون وناشطون من «جلسات تقييم الوضع»، معتبرين أن «هذه الدولة خبيرة بجلسات تقييم الأوضاع بعد العمليات». ونقلت «القناة 12» العبرية، عن مسؤولين حكوميين، أنه «تمّ استبعاد بن غفير من مناقشة تقييم الوضع الأمني»، في حين هاجم مسؤول حكومي بن غفير قائلاً: «إنه كلب ينبح ولا يعضّ».