«ثقيل على قلوبنا هذا الليل، كأنك تبتلع رصاصة مع كلّ نسمة»؛ بهذه الكلمات، وصف الشهيد صهيب الغول ليلة استشهاد رفيقه حمد أبو جلدة في نهاية العام الماضي. الشعور نفسه، وأكبر، عايشه رفاق الغول في «كتيبة جنين» وسكّان المخيم قاطبةً، ليلة الأوّل من أمس. لم يكن صاحب الـ27 ربيعاً مقاتلاً عادياً؛ فإلى جانب ما تميّز به من صلابة وديناميكية وعناد، واستعداد هائل للتضحية، «شكّل «أبو فالح» نقطة التقاء وإجماع، لم يختلف عليها أحد»، بحسب ما يقوله أحد رفاقه في الكتيبة في حديثه إلى «الأخبار». ويتابع أن «أكثر ما تَميّز به، هو القدر الكبير من البساطة والذكاء الاجتماعي، كان يحبّه الجميع، لأنه كان يحبّ الجميع، ولا يحمل في قلبه كرهاً أو موقفاً سلبياً من أحد، يمكنك أن تنظر فقط إلى صفحته في «فيسبوك» كي ترى كمّ الأصدقاء المقرّبين منه، والذين خصّهم بمنشورات في مناسباتهم الاجتماعية».

في منطقة الجابريات ذاتها التي نفّذت فيها «سرايا القدس»، قبل يومين، عملية تفجير ناقلة الجند، ولد صهيب، لعائلة بسيطة. وفي مدارس المخيّم، تلقّى تعليمه الابتدائي ثمّ الإعدادي، قبل أن يلتحق بـ«كلية قلنديا للتعليم المهني»، التابعة لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا). في المخيم، عرف الغول الذي ينحدر من عائلة مضحّية اعتقلت قوات الاحتلال اثنين من أبنائها هما شقيقاه لسنوات، بالعناد والمواقف الجريئة. برز هذا خلال اعتقال الأجهزة الأمنية شقيقه الأسير المحرَّر جمعة، بعدما قضى الأخير ستّ سنوات في سجون الاحتلال؛ وقبل ذلك، عندما نشرت الأجهزة الأمنية اسمه رفقة مؤسّسَي «كتيبة جنين»، جميل العموري ومتين ضبايا، بتهمة حيازة السلاح، قبل سنتين من الانطلاقة الفعلية للكتيبة.
أجبرت عمليات «أبو فالح» جيش الاحتلال على بناء جدار إسمنتي من موقع سالم وحتى جبال المزار شرق جنين


«هو رفيق البدايات الصعبة والجميلة»، يقول مصدر في «كتيبة جنين» في حديثه إلى «الأخبار»، مضيفاً: «اعتُقل صهيب في سجون الاحتلال مدّة خمس سنوات، وهناك التقى بالشهيد القائد طارق عز الدين، وبعد تشكيل الكتيبة، كان الغول جندياً باراً في جيش عز الدين، إذ بقي على تواصل معه طوال عامين، كانا خلالهما يبنيان الكتيبة ويعزّزان حاضنة المقاومة طوال الوقت». ويتابع: «آمن بتكتيك المشاغلة، بل وافتُتن فيه، أو قُل أدمن تنفيذه كلّ يوم، وكان حريصاً على تحويل عمليات إطلاق النار إلى روتين يومي، وقد نفّذ العشرات من العمليات بيده، مستخدماً سلاح «الناتو» ذي الطلقات النارية التي تخترق التصفيح (...). أجبرت عمليات أبو فالح في مستوطنات «حنانيت وشاكيد وتعناخيم ومافو دوتان ومعاليه جلبوع وميراف» جيش الاحتلال على بناء جدار إسمنتي من موقع سالم وحتى جبال المزار شرق جنين، عوضاً عن الشريط الشائك».
فجر يوم الإثنين الماضي، شاهد أبناء المخيم جميعهم، آخر صولات «منجنيق الكتيبة» كما يحلو لهم تسميته. في حيّ الجابريات، عانقت تكبيرات الغول السماء، حينما وقعت قوة جيش الاحتلال المؤلّلة في شَراك الحقل الناري، المعدّ منذ نحو ثمانية أشهر في محيط الآليات. ظَهر أبو فالح رفقة صديق عمره الشهيد محمد عويس، وهو يتنقّل من بناية إلى أخرى، ويطلق الرصاص من سلاحه الشهير «الناتو» تجاه جيبات الاحتلال وآلياته. على أن الحدث الكبير، الذي انتهى بإصابة نحو 7 جنود وإعطاب عشر آليات، كان قد نقل جيش الاحتلال إلى مرحلة أخرى من التكتيك والأسلوب. يقول مصدر في «سرايا القدس»: «صهيب كان يطمح إلى أن يحرّم أراضي مخيم جنين على جيبات الاحتلال وقواته الخاصة، وقد بذل جهوداً كبيرة في هذا الصدد، وقد استشهد اغتيالاً من الجوّ، بعدما أدرك العدو أن كلفة العمل البرّي في المخيم أكبر من تحمّلها».
رحل صهيب، في أوّل عملية اغتيال من طائرة مسيّرة، ينفّذها جيش الاحتلال منذ عام 2006. سيفتقد رفاقه في «السرايا» «نفَسه الشهيّ في إعداد الطعام»، الذي كان يعدّه للمقاومين على الثغور. سيرثيه أهالي جنين وأبناء حركة «فتح» و«كتائب شهداء الأقصى» الذين أحبّوه وآمنوا بصدقه وإخلاصه، فيما سيكون على عائلته انتظار جثمانه الذي اختطفه جيش الاحتلال، كي لا يلهب حدث تشييعه حافزيّة الفداء والانتقام.