رام الله | نحو 100 هجوم شنّها مستوطنون على قرى الضفة الغربية المحتلّة وبلداتها منذ الثلاثاء الماضي، في أعقاب العملية الفدائية التي وقعت قرب مستوطنة «عيلي»، أحرقوا خلالها عشرات المنازل والمركبات ومئات الدونمات الزراعية، تحت حماية من قوات الاحتلال، ومن دون أيّ اكتراث للموقف الدولي المندّد بهجماتهم. وبالتوازي مع تلك الاعتداءات الإرهابية، أقام المستوطنون ما يقرب من 9 بؤر استيطانية جديدة في مناطق متفرّقة في الضفة، بينما دعا وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، المستوطنين، إلى الانطلاق نحو احتلال هضاب الضفة وتلالها، مقدِّماً دعماً مفتوحاً لهم. وينبئ ما يَجري على الأرض، بأن المستوطنين انطلقوا مدفوعين بدعم وتحريض من أقطاب حكومة الاحتلال، نحو تحقيق هدفهم المتمثّل في السيطرة على الضفة وحسم الصراع فيها، في سيناريو يُعيد إلى الأذهان هجمات العصابات الصهيونية على الفلسطينيين قبيل عام 1948.ويوفّر جيش الاحتلال الحماية الكاملة للمستوطنين أثناء هجماتهم، وأحياناً يشاركهم إيّاها ويستكملها، كما حصل أخيراً في بلدة ترمسعيا التي تعرّضت لهجمة خطيرة أحرق خلالها هؤلاء ما يقرب من 20 منزلاً و50 مركبة، ليأتي جنود العدو عقب انسحابهم، ويقتلوا شابّاً فلسطينياً حاول التصدّي للمعتدين. وبحسب موقع «واينت» الإلكتروني، فإن المستوطنين من تنظيم «شبيبة التلال» الإرهابي، على اتّصال مباشر ومتواصل مع وزراء وأعضاء «كنيست»، خاصة من حزب «الصهيونية الدينية» برئاسة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وحزب «عوتسما يهوديت»، برئاسة بن غفير. ويعمل المستوطنون وفق آلية جمعية في تنظيم هجماتهم؛ فغالباً ما تتمّ الدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم إلى تنظيم تظاهرات في أوقات وأماكن محدّدة مسبقاً، عادةً ما تضمّ ما لا يقلّ عن 200 مستوطن، يمتشق العشرات منهم أسلحتهم الآلية، ويستهدفون أطراف القرى والبلدات التي تكون أقلّ كثافةً سكانية من غيرها، لإحراقها ورشقها بالحجارة قبل أن يتوغّلوا داخلها.
وبدت الاعتداءات الأخيرة أكثر إجراماً ووحشية وتنظيماً، فيما لوحظ في أكثر من قرية وبلدة أن المستوطنين يستهدفون إحراق المنازل المأهولة لإيقاع خسائر بشرية فيها. ومثّلت حادثة حرق بلدة حوارة نموذجاً لآلية عمل المستوطنين، والتي يبدو أن هؤلاء اعتمدوها حالياً لغزو القرى والبلدات، بعدما استشعروا أن تداعيات الجريمة لم ترتقِ إلى مستواها، ووجدوا أنه لا ضير من تكرارها بشكل موسّع، وهو ما تتوقّعه أجهزة الاحتلال الأمنية. وفي هذا الإطار، نقل موقع «واللا» عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله «إنّنا نقترب من اللحظة التي سيَخرج فيها حجم الجرائم القومية (للمستوطنين) عن السيطرة». وعلى رغم أن قادة تلك الأجهزة وصفوا، في بيان مشترك نهاية الأسبوع الماضي، اعتداءات المستوطنين ضدّ الفلسطينيين بأنها «إرهاب»، إلّا أن المتحدثين الأمنيين لا يزالون يصفونها بأنها «جرائم قومية».
وقوبلت اعتداءات المستوطنين على القرى والبلدات الفلسطينية بتنديد دولي، خشية تسبّبها بتصعيد أمني في الضفة. وبحسب تعليق المسؤول الأمني الإسرائيلي المتحدّث إلى «واللا»، على التحذير الأميركي لحكومة نتنياهو من هكذا تصعيد، فـ«(إنّنا) لا نتذكّر فترة كهذه من التنديدات الواسعة، سواءً في الغرف المغلقة أو في العلن، وهذا يحرج الجيش الإسرائيلي، ويحرج وزارة الأمن، ويحرج الحكومة الإسرائيلية»، علماً أن نتنياهو امتنع حتى اليوم عن التنديد أو حتى التطرّق إلى تلك الاعتداءات. وحذّر المسؤول من أنه «ليس واضحاً ماذا سيحدث بعد وقت قصير، وهذا يجعل الوضع خطيراً، وهذه الأحداث وصلت إلى أماكن لم تحدث فيها في الماضي، من مثل أريحا»، فيما دفعت تلك الانتقادات جيش الاحتلال إلى توقيف بعض المستوطنين، وهو ما أغضب قادة الأخيرين. من جهته، أشار المحلّل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل، إلى أن «النواة الصلبة في حكومة اليمين تدعم المستوطنين، ونتنياهو يتغاضى عن ذلك»، مضيفاً أن «المستوطنين يعملون في مسارَين: أوّلهما فرض وقائع جديدة على الأرض عبر إقامة بؤر استيطانية، والعودة إلى بؤرة استيطانية تمّ إخلاؤها، وهذا يجري بدعم من الحكومة؛ والثاني، خروج مئات المستوطنين لتنفيذ عمليات انتقامية في عدد من القرى الفلسطينية، يتمّ خلالها حرق المنازل والمركبات والاعتداء على الفلسطينيين، وهذا يحدث بتجاهل وتواطؤ من جيش الاحتلال».
قوبلت اعتداءات المستوطنين على القرى والبلدات الفلسطينية بتنديد دولي، خشية تسبّبها بتصعيد أمني في الضفة


وأثارت هذه الممارسات انتقادات جهات دولية عديدة؛ إذ وقّعت عشرات المنظّمات الأميركية على عريضة تطالب إدارة الرئيس جو بايدن بضرورة التدخّل لوقف «مذابح المستوطنين الإسرائيليين» ضدّ الفلسطينيين، مشيرة إلى أن هجمات المستوطنين تتمّ تحت حماية جيش الاحتلال، كما حدث في اللبن الشرقية وترمسعيا شمال رام الله. وشهدت بلدة ترمسعيا زيارة وفود دولية عديدة، أبرزها كان وفد أوروبي ترأّسه ممثّل الاتحاد الأوروبي، فون بورغسدورف، الذي وصف ما قام به المستوطنون في البلدة بأنه «عمل إرهابي»، مضيفاً أن «هناك تواطؤاً بين المعتدين والسلطات الإسرائيلية». وأشار إلى أن «المستوطنات في الضفة غير قانونية وتمّ بناؤها على أراض فلسطينية»، مشدّداً على ضرورة وقف توسيعها.
كما لفت إلى أن عمليات قتل الفلسطينيين وصلت إلى مستوى غير مسبوق منذ عام 2005، وسط تحذيرات أممية ودولية من انزلاق المنطقة نحو تصعيد أمني.