وتعهّد السيسي بالموافقة على مخرجات الحوار التي تتطلّب موافقته مباشرة، مع إحالة المخرجات الأخرى التي تستلزم نظرة قانونية وتشريعية إلى مجلس النواب، باعتباره جهة الاختصاص اللازمة لهذا الأمر. وتبدو هذه التصريحات، وإنْ عكست في ظاهرها احتراماً للمناقشات، تمهيداً لخطوة تعديل الدستور بعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقرَّرة نهاية العام الجاري، وربّما بداية العام المقبل على أقصى تقدير. والواقع أن السيسي مهّد لموافقته على التعديلات الدستورية بشكل واضح وصريح، عندما أبدى استجابة لمناقشة جلسات الحوار مسألة الإشراف القضائي على الانتخابات، والذي ينتهي مطلع العام المقبل بموجب الدستور الحالي الذي أقرّه لعشر سنوات، ما يعني انقضاء مفعوله بحلول النصف الثاني من كانون الثاني المقبل، بالتزامن مع حلول الذكرى العاشرة لإقرار دستور 2014. لكن المؤكد أن الإشراف القضائي لن يكون النص الوحيد الذي سيجري إدخال تعديلات دستورية عليه، وإنّما أيضاً شروط الترشح للرئاسة، والتي تجعل من الانتخابات المقبلة آخر انتخابات يمكن السيسي خوضها.
ولم تتعرّض أيّ من جلسات الحوار لجدوى المشروعات الاقتصادية الضخمة التي وجّه السيسي بتنفيذها، بل تعامل معها باعتبارها بديهيات لا يمكن التحاور حولها، أو الحديث عن الأخطاء التي اعترتها، فضلاً عن أن ما يسمعه الرئيس في حضوره يكاد يكون عكس ما يقال في غيابه. فمثلاً، النائب عبد المنعم إمام، الذي أعلن رفض الموازنة العامة للدولة التي يبدأ العمل بها الشهر المقبل، يرى أن الموافقة عليها «غباء بالغ» بسبب كثرة الأقساط وفوائد الديون التي ستكون أكثر من الإيرادات بنسبة 114%، واستدانة الدولة بـ 6 مليارات جنيه يومياً، ومخالفة الأرقام الواردة لنسب الصرف على التعليم والصحة والإسكان، هو نفسه الذي وقف أمام السيسي في الإسكندرية قبل أيام، متجاهلاً الانتقادات الحادّة التي وجّهها إلى الحكومة تحت قبّة البرلمان. وإذ لا يتوقّف الحديث، في جلسات الحوار، عن سوء الوضع في عهد السيسي من دون ذكر اسمه، وتحميل المسؤولية للحكومة الحالية العاجزة عن فعل أيّ شيء، يبادر الجميع إلى التصفيق عندما يتحدث الرئيس علناً، بغضّ النظر عمّا يقوله.
تنشغل الأحزاب بمناقشات حول وضعية قانون انتخابات مجلس النواب المقبل
كان الهدف من إطلاق الحوار، في البداية، بثّ الروح في الحياة السياسية التي دخلت في حالة «موت سريري» منذ وصول السيسي إلى السلطة، تحت ذريعة مواجهة الإرهاب في السنوات الماضية، ولا سيما في سيناء. لكن ما حدث أن النظام الذي يرفض محاورة المعارضة الحقيقية ويضيّق عليها، على غِرار ما حدث مع المعارض أحمد طنطاوي الذي أعلن رغبته في الترشّح للانتخابات الرئاسية، بتوقيف عدد من أصدقائه وأقاربه، جاء بأحزاب الظلّ، والتي تفتقر إلى الشعبية الحقيقية وإلى أيّ رؤية في ما يتعلّق بمستقبل البلاد. كذلك، لم يفرَج عن رئيس حزب «مصر القوية»، المرشح الرئاسي الأسبق عبد المنعم أبو الفتوح، أو أيّ من المسجونين على ذمّة قضايا سياسية على غرار أحمد دومة، فيما سُجّل تغييب لملف الموقوفين السياسيين الذي لا يبدو ذا أولوية.
وفي ظلّ شحّ الأفكار والرؤى، تنشغل الأحزاب بمناقشات حول وضعية قانون انتخابات مجلس النواب المقبل، والسجال ما بين إجرائها بالقوائم المطلقة بما يحدّ من نفوذ المال السياسي، وبين مزج القائمة النسبية بالنظام الفردي وتوسيع الدوائر الفردية. ويرى كثيرون، من بينهم رئيس «حزب المحافظين»، أنور قرطام، أن الأهمّ من الانتخابات الرئاسية، هو الانتخابات البرلمانية المقرَّرة عام 2025، والتي ستسفر عن برلمان جديد تأمل المعارضة أن يكون أكثر فعالية من البرلمان الحالي الذي يتبع سياسة الإذعان، حتى من دون أن يُطلب منه، ويسيطر عليه نواب الأغلبية الذين اختارتهم المخابرات ليكونوا الواجهة التي تتحدّث باسم النظام وتنفّذ تعليماته.