القاهرة | بعدما أعلنت وزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد، احتمال تخفيض أسعار السلع في الفترة المقبلة، وتحديداً قبل بداية العام المقبل، بدأت جهات سيادية بفرض تخفيضات جبرية في الأسعار، تزامناً مع إجبار أصحاب المحالّ على تعليق صور الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحت شعار مبادرة «كلنا واحد». وتعود هذه المبادرة إلى تاريخ 30 حزيران 2018، حين طرحتها وزارة الداخلية، بالتعاون مع عدد من السلاسل التجارية الكبرى، لعرض السلع الأساسية ذات الجودة العالية بأسعار مخفَّضة عن مثيلاتها في الأسواق، بنسب تتراوح بين 20 و30 في المئة. واستهدفت «كلنا واحد»، والتي جاءت في إطار توجيهات رئاسية، «توفير السلع بأسعار مناسبة، وتحقيق توازن في السوق المحلي وضبط الأسواق، وذلك للتخفيف عن كاهل المواطنين ومواجهة الغلاء والقضاء على الاحتكار»، بحسب الرئاسة المصرية. إلّا أن المبادرة، التي تحوّلت من مؤقّتة إلى دائمة ولم يَعُد يتذكّرها المواطنون، سرعان ما انزلقت إلى أسعار مماثلة تقريباً لما هو في خارجها، ولا سيما بعد القفزة الكبيرة التي حدثت نتيجة ارتفاع معدّلات التضخم شهرياً لتتراوح بين 30 و40 في المئة. على أن المفارقة أن «كلنا واحد»، التي شكّلت ابتداءً جزءاً من إعلانات ترويجية لأنشطة وزارة الداخلية في مجال السلع الغذائية والتي تزايدت بصورة غير مسبوقة في السنوات الأخيرة إلى حدّ منافستها منافذ الجيش، تحوّلت اليوم إلى حملة جبرية، تستهدف عدداً كبيراً من المحالّ وسلاسل التوزيع المختلفة والمعنيّة بالطبقة المتوسطة، بما فيها بعض محال الأطعمة التي أُجبرت على الإعلان عن تخفيضات تصل إلى 20% في الأسعار. إلّا أن هذه التخفيضات لا تبدو ذات جدوى بالنسبة إلى لمواطن لعدّة أسباب، في مقدمتها، تغيُّر السعر يشكل شبه يومي من دون مبرر، وغياب الرقابة على الأسواق، فضلاً عن امتناع البنوك عن توفير الكمية الكافية من العملة الصعبة للمستثمرين، وهو ما يدفع التجار إلى شراء الدولار من السوق الموازية، وزيادة الأسعار من أجل تأمين أنفسهم من مخاطر الزيادة الجديدة المرتقبة في سعر العملة.
تبدو وزارة الداخلية بمثابة أول شريك من أجهزة الدولة في حملة السيسي الانتخابية


مع ذلك، اتّسعت توجيهات تنفيذ الحملة لتشمل العديد من محال الترفيه والأماكن الشهيرة، بالتزامن مع إبلاغ هذه المحالّ بضرورة رفع لافتات خلال الحملة الانتخابية للرئيس، تتضمّن تأييداً من مالكيها لفترة رئاسية جديدة للسيسي. وبحسب مدير لأحد فروع المحالّ المستهدَفة، تحدّث إلى «الأخبار»، فإن مسؤولي الأمن اتّفقوا مع التجار على تطبيق الخصومات عند السؤال عنها فحسب، ووفق النسبة التي يرونها مناسبة، ولمدّة يوم واحد فقط، فيما يظلّ الإعلان موجوداً على بوابة المحل وفروعه المختلفة، حاملاً صورة السيسي. وأضاف إنه جرى قسْر جميع المحال الخاصة بالأطعمة السريعة في مناطق وسط القاهرة على هذه الإجراءات، باستثناءات بسيطة للغاية. ويبدي أصحاب المحال مخاوفهم من المضايقات التي قد يتعرّضون لها من قبل أجهزة الأمن، وهو ما دفعهم في الأسابيع الماضية إلى إغلاق أو تقليص نشاطاتهم، مع تشديد تطبيق إجراءات السلامة وفرض مزيد من الغرامات، في وقت تعاني فيه حركة البيع والشراء من كساد غير مسبوق.
بالنتيجة، لا تبدو هذه الحملة منفصلة عن عملية الدعاية لتولي السيسي فترة رئاسية ثالثة تستمرّ لمدة 6 سنوات وتنتهي بحلول 2030، وهو ما بدأت وزارة الداخلية، التي يفترض أن تقوم بتأمين الانتخابات الرئاسية المقررة في الشتاء المقبل، بالفعل، الاشتغال لمصلحته، معلنةً عن انحياز واضح له، ومتصدّرةً المشهد بوصفها أوّل شريك من أجهزة الدولة في حملة السيسي الانتخابية.