رام الله | أسبوع عريض من الإخفاق الأمني والاستخباري والعسكري عاشته إسرائيل، حمل معه ضربات في أكثر من مكان وعلى أكثر من صعيد، بدءاً من مخيم جنين حيث شنّ الاحتلال عدواناً انتهى بفشل ذريع، وصولاً إلى عمليات طالت تل أبيب وأبرز أركان المشروع الاستيطاني في الضفة، من دون إغفال الجبهة الشمالية. ويبدو أن ما بعد معركة جنين الأخيرة لن يكون كما قبلها؛ فقد حملت 50 ساعة من الصمود والمقاومة في أزقة المخيم وشوارع المدينة، تداعيات لم تقتصر على تعزيز فشل جيش العدو في القضاء على المقاومة واجتثاثها، بل تعدّته إلى تظهير تطوّر نوعي في أداء المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، والتي تتّجه نحو مزيد من التصاعد والزخم، وفق ما أنبأت به عملية «كدوميم» التي نفّذها الشهيد أحمد ياسين غيظان مساء الخميس، وأدّت إلى مقتل جندي إسرائيلي. وكشف الإعلام العبري، أمس، أن جهاز «الشاباك» كان قد أعدّ قائمة بأسماء 160 مقاوماً من مخيم جنين مطلوبين للاغتيال أو الاعتقال، لكن قوات الاحتلال بمختلف تشكيلاتها، وطوال فترة العدوان، لم تصل إلّا إلى ثلاثة منهم، فيما نشرت «كتائب القسام» في المخيم، أوّل من أمس، تسجيلاً مصوراً لاستئناف وحداتها عملية تصنيع مئات العبوات المتفجرة، استعداداً للمرحلة المقبلة.وشكّلت عملية «كدوميم» نقلة نوعية في العمل الفدائي، حاملةً في طيّاتها الكثير من التخطيط والشجاعة، إذ استهدفت مكاناً بالغ الحيوية والأهمية، وهو المستوطنة التي يعيش فيها وزير مالية الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش. كما أنها جاءت في وقت تعيش فيه أجهزة العدو الأمنية ذروة تأهّب واستنفار، ما يدلّل على تطوّر أداء المنفّذين والمخطّطين، الذين يشي به أيضاً امتشاق المنفذ سلاحه الناري من مسقط رأسه في بلدة قبية في محافظة رام الله، وقطعه مسافة كبيرة بمركبته الشخصية، وصولاً إلى مدخل «كدوميم» بين نابلس وقلقيلية، حيث قام بالهجوم. وفي هذا الإطار، ذكرت وسائل الإعلام العبرية أن المنفّذ سار في طريق لا تسلكها سوى مركبات الأمن والجيش، وهو ما يحمل جرأة كبيرة. وممّا زاد العملية دلالةً، تبنّيها من قِبَل «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، بشكل رسمي وعلني، خلافاً لما جرت عليه العادة سابقاً، الأمر الذي ينذر بتغيير في طبيعة المواجهة، قد يدفع إسرائيل، في ظلّ فشلها في إيقاف مسلسل العمليات، إلى الردّ في ساحات أخرى، قد يكون قطاع غزة من بينها، على غرار ما جرى قبل شهور حين اغتالت قادة من «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي» في القطاع.
تعدّ «كدوميم» تجمّعاً لمستوطنات متجاورة مقامة على أراضي قرية كفر قدوم منذ عام 1975


وإذ جاءت العملية لتؤكّد أن الردود على جرائم الاحتلال لن تتأخّر، وستأتي بكلّ شكل وفي أيّ مكان، فهي حملت رسالة مخصوصة إلى سموتريتش الذي يعدّ أحد أبرز عرابي الاستيطان في الضفة، جلّاها بيان «الكتائب» الذي جاء فيه أن «القسام كاد يطرق باب بيتك». وفي ردّه على تلك الرئاسة، أعلن سموتريتش أن الحكومة ستعمل على تسريع خطط بناء 1100 وحدة استيطانية بالقرب من موقع الهجوم في «كدوميم»، قائلاً: «أقول لحماس إنني لست خائفاً منها، وسأواصل العمل في الحكومة للسماح لقواتنا بتدميرها»، وفق تعبيره. أمّا قادة جيش الاحتلال فقد ألزموا جميع الجنود العاملين في أنحاء الضفة كافة، سواء في الدوريات أو أبراج المراقبة أو الحواجز، بوضع رصاصة في بيت النار ابتداءً من صباح اليوم، بعدما تمكّن منفّذ الهجوم الأخير، رغم صغر سنّه، من إطلاق النار من مسافة صفر على رأس جندي إسرائيلي من «كتيبة جفعاتي» وقتله، وإطلاق النار على حارس الأمن كذلك، ومن ثمّ الانسحاب من المكان واستكمال طريقه ليشتبك بعدها مع قوات الاحتلال ويرتقي شهيداً.
وتعدّ «كدوميم» تجمّعاً لمستوطنات متجاورة مقامة على أراضي قرية كفر قدوم منذ عام 1975، وهي تخضع لمجلس محلّي استيطاني واحد، وتقع على بعد 23 كلم من مدينة قلقيلية، كما أنها مقامة على أكبر حوض مائي في الضفة الغربية، وتشهد بشكل دائم استنفاراً أمنياً وعسكرياً، وانتشاراً لقوات الأمن والمستوطنين المسلحين. ولذلك، فإن ضربها بهذا الشكل، بعد عملية «عيلي» التي نفّذها أيضاً عنصران من «القسام»، يعدّ إشارة إلى أن المقاومة بدأت بتوجيه عملياتها بشكل مركّز نحو المستوطنات والمستوطنين. وقرأ الإعلام العبري في تبنّي «القسام» عبر بيان رسمي وبتغريدة من الناطق بلسانها «أبو عبيدة» - بعد غياب لشهور -، لعملية «كدوميم»، التي جاءت بعد ساعات فقط من عملية الدهس والطعن في تل أبيب التي نفذها الشهيد عبد الوهاب خلايلة - وهو من حركة «حماس» - بالتزامن مع العدوان على جنين، «أمراً مفاجئاً، وغير مسبوق»، إذ قالت إذاعة «كان» العبرية إن حركة «حماس» في الضفة تقف منذ فترة خلف سلسلة عمليات خطيرة أدّت إلى مقتل العديد من المستوطنين والجنود، و«اليوم تنتقل من الوقوف السري خلف بعض الهجمات إلى التبنّي العلني، وكلّ ذلك تتحمّل مسؤوليته الحكومة اليمينية»، بينما أشارت «إذاعة الجيش» إلى أن بيان «القسام» ينبئ بأن «اختيار موقع العملية لم يكن عرضياً، بل جرى اختيار المستوطنة التي يعيش فيها سموتريتش».
وجاء هذا التطوّر النوعي بعد إطلاق 5 صواريخ من قطاع غزة، وتسجيل تسخين على الجبهة الشمالية أيضاً، حيث أُطلق صاروخان موجّهان مضادان للدروع من نوع «كورنيت» من جنوب لبنان، قال الاحتلال ابتداءً إنهما عبارة عن لغمين قديمين انفجرا، قبل أن يعود لاحقاً ويقول إنهما قذيفتا «هاون»، ومن ثمّ يعترف أخيراً بأنهما صاروخان مضادّان للدروع. وفي تعليقه على ذلك، قال المراسل العسكري لـ«القناة 14» العبرية، هاليل روزين: «على غير العادة، حماس تتبنّى هجوم كدوميم، بعد إطلاق صاروخ مضادّ من لبنان. إسرائيل تواجه تحدياً داخلياً وخارجياً بشكل غير مسبوق»، فيما توعّد وزير الحرب، يوآف غالانت، بأن إسرائيل ستردّ «بطرق علنية وسرية» وفي المكان والزمان المناسبَين. على أيّ حال، تشي المعطيات الآتية من الضفة بأن المرحلة المقبلة ستكون حُبلى بالتصعيد، سواء في عمليات المقاومة ضدّ المستوطنات وفي الداخل المحتل، أو في عمليات الاغتيال والقتل والإعدامات الإسرائيلية للمقاومين، على غرار ما جرى صباح أمس في البلدة القديمة في مدينة نابلس، من إعدام لمقاومَين من «كتائب أبو علي مصطفى» بعد محاصرة منزليهما ونفاد ذخيرتهما، علماً أن أجهزة الاحتلال تتّهمهما بأنهما نفذا عملية إطلاق نار قبل أيام على مركبة لشرطة العدو قرب نابلس.