بغداد | خلال الأسبوع الفائت، شهدت مدينة الرمادي في محافظة الأنباء العراقية، تظاهرة حاشدة لأنصار الطريقة الكسنزانية (طريقة صوفية شائعة في العراق وإيران) تنديداً بالفساد، فيما فرقت قوات الأمن المتظاهرين بإطلاق الرصاص الحي في الهواء، وفقاً لما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو.وبالتوازي مع ذلك، بدأت الحكومة الاتحادية جملة إقالات وإعفاءات لعدد من المسؤولين في المحافظة، شملت إعفاء رئيس صندوق إعادة إعمار المحافظات المتضرّرة من الإرهاب، محمد العاني، ومدير مؤسسة الشهداء والجرحى، عبد العزيز البدري، ومدير التربية، نافع حسين، وقائد الشرطة، هادي رزيج، من مهامهم، فضلاً عن اعتقال مدير هيئة التقاعد في المحافظة، علي عبيد ماطر، بتهمة الفساد. ومنذ شهرين تقريباً، انطلقت حملة لفتح ملفات الفساد المالي والإداري في الأنبار من قبل «اللجنة العليا لمكافحة الفساد» برئاسة أبو علي البصري، بالتنسيق مع «هيئة النزاهة الاتحادية».
ويعزو أنصار الحلبوسي الحملة إلى خلاف بينه وبين رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، بشأن إقرار الموازنة المالية وقانون العفو العام. وفيما ترجّح مصادر سياسية أن تصل الإجراءات إلى قادة أمنيين كبار ومسؤولين محليين، كمحافظ الأنبار، علي فرحان الدليمي، الذي ينتمي إلى حزب «تقدم» بقيادة الحلبوسي، تواصل أوساط سياسية سنية الضغط للإطاحة بالأخير من رئاسة البرلمان وتشتيت حزبه قبيل انتخابات مجالس المحافظات في نهاية العام الحالي. وتسعى الحكومة الحالية، ضمن برنامجها الوزاري، إلى إجراء تغييرات إدارية في مؤسسات الدولة، بينما ينوي السوداني القيام بزيارات ميدانية إلى المحافظات الغربية، ولا سيما الأنبار، للوقوف على أوضاعها الخدمية والمعيشية خلال الأيام المقبلة.
وفي حديثه عن الأحداث الأخيرة، يدافع النائب عن حزب «تقدم»، عبد الكريم عبطان، بشدة عن الحلبوسي، ويعتبره «صمام أمان للمكوّن السني بشكل عام وللعراق». ويؤكد لـ «الأخبار» أن «حزب تقدم يحترم الجميع ولم يتجاوز على أحد، لأن لديه مشروعاً سياسياً حاله حال المشاريع الأخرى». ويلفت إلى أنه «إذا كان هناك تنافس شريف، فلا بأس في ذلك، ولكن لا نقبل بتنافس على أساس هدم بيوت الناس وتهجيرهم من جديد ودمار الأنبار. وهذه النار الملتهبة سعيرها سيذهب إلى من يجاورها. وهذا لن نسمح به أبداً». ويشكّك عبطان في نوايا التظاهرات الأخيرة، ويقول: «إذا كان الهدف منها محاربة الفساد، بمعنى أنهم خرجوا ضد الأشخاص الذين يعملون في النزاهة ومسؤوليها في الأنبار، فهم أصلاً تابعون للكسنزانية، ضمن سياق المحاصصة الحزبية». وعن حملة إقالة وإعفاء المسؤولين، يتساءل عبطان: «كيف بُنيت الأنبار إذا كان هناك فساد في زمن الحلبوسي؟». ويؤكد أن «مسألة محاربة الفساد، جاءت لغرض الاستهداف السياسي، وأن الحلبوسي يدفع ضريبة نجاحه، لكن كل ما يحدث الآن زاد من شعبية رئيس مجلس النواب مع إصرار الشارع الأنباري عليه. وهناك من يريد أن يؤجج ويخلط الأوراق قبل الانتخابات».
الصراع حول الزعامة قد يغيّر المعادلة السياسية داخل المكون السني


من جانبه، يرى السياسي، يوسف الفهداوي، أن «الفساد في الأنبار يختلف تماماً عن بقية المحافظات، لأن هناك استفراداً وهيمنة من قبل حزب تقدم، واستغلالاً لجميع المؤسسات، سواء أكانت أمنية أو إدارية أو مالية لمصلحته الحزبية، وليس لتقديم خدمة للمواطن الأنباري، كالاستيلاء على قطع الأراضي وأموال النازحين والشهداء وغيرهم، فضلاً عن التهديد والابتزاز». ويضيف لـ «الأخبار» أن «المسؤولين الذين تم اعتقالهم أو إعفاؤهم من مناصبهم من قبل حكومة السوداني، اعتقلوا أو أعفوا نتيجة فسادهم وتحكّمهم بأموال محافظة كاملة من خلال حزبهم الحاكم تقدم». ويلفت إلى أن الشخصيات المعروفة بالنزاهة يتم تسقيطها واستبعادها من خدمة المحافظة، مشيراً إلى أن «خطوات السوداني في محاربة الفساد، لاقت ترحيباً واسعاً من قبل أهالي الأنبار، لأنهم كانوا يخشون طيلة الفترة السابقة الانتقاد أو الحديث ضد الحلبوسي وأنصاره الذين يتحكّمون بمستقبل المحافظة ومؤسساتها وإعمارها».
أما السياسي المستقل، بشير الحجيمي، فلا يرى سيناريو «تضييق الخناق» على الحلبوسي جديداً، مضيفاً أن «ورقته سقطت حينما تحالف سابقاً مع التيار الصدري، و هو يعلم أن ذلك التحالف سيطيح به في حال انتصار الإطار التنسيقي وتشكيله للحكومة. وهذا ما بدأ يتحقّق فعلاً في الوقت الحالي». ويوضح في حديث إلى «الأخبار» أن «الفساد في الأنبار ليس جديداً، فضلاً عن تضخم الثروة والسطوة والسيطرة، سواء عند الحلبوسي أو أعوانه، وحكومة الإطار التنسيقي تعلم بذلك علم اليقين. فلذا الأمر مدبّر مسبقاً». ويردف أن الحلبوسي «دائماً ما يستغل الصراعات لبناء إمبراطوريته. فهو يعتقد أنه في هذه المرّة وبكل ثقة سيستغل المحنة ويخرج منها منتصراً، بينما ربما هناك مفاجآت كبيرة تنتظره، ولا سيما بعد ظهور شخصيات جديدة كمثنى السامرائي وخميس الخنجر في الساحة السنية». ويتوقّع الحجيمي أن «يغيّر الصراع حول الزعامة ومحاولات الابتزاز التي تمارسها شخصيات سياسية من خلال الإعلام وتحريك الشارع، المعادلة السياسية داخل المكون السني، خاصة وأن هناك توجهاً لعزل الحلبوسي وتصدير شخصية جديدة».