بغداد | أُصيبت الحكومة العراقية بحرج كبير بسبب عجزها عن الإيفاء بوعدها تأمين الطاقة الكهربائية خلال شهرَي تموز وآب، وهما الأشدّ حرارة بين أشهر السنة في البلاد، ما دفع أوساطاً شعبية وسياسية إلى تحميلها وزر استمرار هذه الأزمة. لكن «الإطار التنسيقي»، الداعم للحكومة، حمّل واشنطن مسؤولية عودة أزمة الكهرباء، بسبب رفضها السماح لبغداد بدفع ثمن الغاز الإيراني. وجاء الاتفاق الذي تمّ توقيعه بين العراق وإيران، أوّل من أمس، على مقايضة الغاز الإيراني بالنفط العراقي كطريقة لتلافي العقوبات الأميركية، ليفتح الطريق أمام حلّ جانب من الأزمة، علماً أنه جرى التوصل إلى الاتفاق خلال محادثات أجراها وفد إيراني في بغداد. وكانت إيران قد خفّضت صادراتها من الغاز إلى العراق بأكثر من 50% اعتباراً من الأول من تموز، بعد عدم تمكّن بغداد من الحصول على موافقة الولايات المتحدة على صرف الأموال المستحَقّة عليها. ويستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران، وهما يشكّلان إجمالاً ما بين 33 و40 في المئة من إمداداته من الطاقة، ولا سيما في أشهر الصيف الحارقة عندما تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية ويبلغ استهلاك الطاقة ذروته.وسبق للسوداني أن أعلن أن العراق يَدين لإيران بنحو 11 مليار يورو، ولكنه يواجه صعوبة في سداد هذه الديون بسبب العقوبات الأميركية التي لا تسمح لطهران سوى بالحصول على أموال لشراء سلع غير خاضعة للعقوبات، مثل الغذاء والدواء. وسبق لرئيس الحكومة أن ناقش، خلال اجتماعات طارئة عقدها مع وزيرَي النفط والكهرباء، قضية معالجة الانقطاعات الراهنة، وشدّد على ضرورة تنفيذ العقود المبرمة مع شركة «توتال» الفرنسية، وأيضاً عقود تراخيص الجولة الخامسة، لإيجاد بدائل للغاز المستورد، وبالتالي المساهمة في حلّ جذري للأزمة. وجاء حديث السوداني، غداة توقيع العراق وشركة «توتال» عقداً بقيمة 27 مليار دولار في مجالات النفط والغاز والطاقة المتجدّدة، ولمدّة تصل إلى ثلاثين عاماً، بما يتيح استثمار الغاز في خمسة حقول نفطية رئيسة، وهي حقل مجنون وغرب القرنة 2 وحقل اللحيس وحقل أرطاوي وحقل الطوبا.
ومع بداية تموز، كما في كلّ عام، ازدادت معاناة العراقيين وشكاواهم من انقطاعات التيار الكهربائي والتي تصل إلى 16 ساعة يومياً، ولا سيما في مدن وسط وجنوب البلاد، ما أدّى إلى خروج تظاهرات شعبية في مناطق متعدّدة أبرزها بغداد وواسط وديالى وكركوك وذي قار، للمطالبة بتحسين الخدمات وتأمين الكهرباء خلال فصل الصيف. وتَقلّص حجم التجهيز في محطات توليد الكهرباء في بداية الشهر الجاري إلى 20 ألف و600 ميغاواط نتيجة توقف الغاز الإيراني، في حين يحتاج العراق إلى أكثر من 34 ألف ميغاواط. وتعزو وزارة الكهرباء عودة الانقطاعات إلى تعثّر البنية التحتية المتهالكة، والتداخل السياسي في مجال الطاقة واستخدامه كورقة ضغط لتصفية الحسابات بين القوى الحزبية، بحسب ما صرّح به المتحدث الرسمي باسم الوزارة في عدّة لقاءات متلفزة. أمّا لجنة الكهرباء والطاقة النيابية، فطالبت الحكومة العراقية بالضغط على الولايات المتحدة لإبعاد ملف الطاقة عن الحسابات السياسية، فيما دعا «الإطار التنسيقي»، واشنطن، إلى الإفراج عن مستحقات استيراد الغاز الإيراني، لتلافي انعكاسات الأزمة السلبية على المواطن العراقي. كما طالبت رئاسة البرلمان بإبعاد قضية الكهرباء عن الصراعات السياسية الدولية والإقليمية.
مع بداية تموز، كما في كلّ عام، ازدادت معاناة العراقيين من انقطاعات التيار الكهربائي التي تصل إلى 16 ساعة


وفي هذا الصدد، يقول رئيس اللجنة، محمد نوري العبد ربه، لـ«الأخبار»، إن «الحكومة الحالية مطالبة بمعالجة أزمة الكهرباء التي تنعكس سلباً على العراقيين منذ عقدين تقريباً». ويطالب الحكومة ووزارة الخارجية بالحديث مع الولايات المتحدة لإبعاد ملف الطاقة عن الحسابات السياسية، وأيضاً عن الدول الإقليمية التي لها دور في ذلك. ويرى أن «العقوبات الأميركية هي أصل المشكلة»، مضيفاً أن «الشعب العراقي هو الضحية لتلك الخلافات السياسية». وفي المقابل، يعتقد النائب المستقل، حسين السعبري، أن وزارة الكهرباء «غير مهتمة» لأزمة تدهور التيار الكهربائي في العراق، ويشير، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أنه زار مع عدد من النواب الوزارة، لكنه لم يجد فيها الوزير ولا وكيله ولا المدراء الذين يُعتبرون أصحاب المسؤولية عن توفير الكهرباء خلال فصل الصيف. ويضيف أن «مجلس النواب يسعى لاستضافة أو استجواب وزير الكهرباء، للوقوف على حيثيات المشكلة ومعرفتها بشكل دقيق. فهل الأزمة بسبب الغاز الإيراني أم الولايات الأميركية التي لم تعطِ أموال الغاز؟ لكن، وكما تَبيّن، فإن حكومتنا مسحوبة الإرادة ولا تمتلك القدرة على توفير الكهرباء للشعب». ويتابع السعبري أن «الشعب سينتفض بسبب تردّي الخدمات وأولها الكهرباء التي يدفع فاتورتها، نتيجة التدخّلات الإقليمية والدولية وهيمنتها على القرار العراقي والتحكّم به منذ عشرين عاماً».
وكان المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، أشار، في تصريحات صحافية، إلى أن «أزمة الكهرباء في العراق متجذّرة، وقد تحتاج إلى سنوات لحلّها، لأن هناك تعثراً واضحاً في محطات التوليد، وكذلك الفساد له دور في تراجع ملف الطاقة في جميع المحافظات». وفي ما يتعلّق بالغاز الإيراني، بيّن أن «الأموال ما زالت لدى المصرف العراقي للتجارة، ولم تحوّل إلى إيران بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، وهذه القضية ليست من عمل الوزارة وإنما من اختصاص المصرف والجهات الفنية الأخرى بالتنسيق مع الحكومة الاتحادية». وأقرّ المتحدث «بوجود تقصير واضح، لكن لا تتحمّل الحكومة الحالية المسؤولية لأن الأزمة قديمة، وتسعى حكومة السوداني إلى معالجتها من خلال البدائل والتعاقدات مع شركات عالمية رصينة، فضلاً عن صيانة المحطات القديمة لزيادة ساعات التشغيل». لكن المحلّل السياسي، أحمد الجبوري، وإذ يلفت إلى أن «الحكومة الحالية ومنذ تشكيلها، تعاقدت بالفعل مع كبرى الشركات العالمية في مجال الكهرباء والطاقة»، إلّا أنه يعتقد أنه «لا فائدة مرجوّة من ذلك، لأن هناك فساداً وإهمالاً واضحين من قبل الجهات التنفيذية، ولا سيما الوزراء الذين تعاقبوا على إدارة وزارة الكهرباء». ويضيف الجبوري، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الشعب العراقي وصل إلى مرحلة اليأس. وحتى الاحتجاجات صارت لا تؤثّر في الطبقة السياسية».