كنت أحمل جهازاً لاسلكياً يدوياً، أخذته قبل أيام من الأخ أبو جمعة، مسؤول اللاسلكي، وقد كان يُستعمل داخلياً، أي بين مجموعاتنا، أضاف إليه الأخ أبو جمعة، محطة جديدة لتوصلنا بالعمليات المركزية، مكّنني اللاسلكي حينها من متابعة الأنباء، فأبلغ المسؤول المباشر بها. بعد مشي استغرق نحو ساعتين، وصلنا إلى مشارف بلدة دقون حيث توقف القصف المباشر، ما خلا بعض القذائف المتفرقة على الجبل خلفنا. هناك جلست مع رفيقي أحمد حسون، لنرتاح قليلاً وندخن، لكن بعد دقائق قليلة، تعرضنا لقصف عنيف، وكانت المجموعة قد سبقتنا بمسافة كبيرة، وحتى حينها كنا على تواصل معها. حين جلسنا لنستريح، وضعت بندقيتي والجهاز اللاسلكي جانباً، وحين بدأ القصف، حملت البندقية مباشرة، إلا أن الجهاز اللاسلكي وقع مني وتدحرج إلى الأسفل. احتمينا خلف صخرة، ولم نعلم إلا بعد حين أن مجموعتنا كانت ترانا عن بعد. غيّرنا مسارنا أنا والأخ أحمد، تجنّباً للقصف، فانقطعنا عن المجموعة، كما انقطع الاتصال معها، واتجهنا نحو منطقة الكسارة، واختبأنا هناك لأكثر من ساعة. في هذا الوقت كانت المجموعة قد وصلت إلى مشارف بلدة عبيه وكان الإخوة بانتظارهم. وكان من المستقبلين لهم الأخ «غ ع»، الذي بادرهم بالسؤال عن سبب انقطاع الاتصال، فأخبره الإخوة، بأنهم فقدونا، وأغلب الظن أننا استشهدنا، لأن القصف استهدفنا كما شاهدوا من زاويتهم.
القنابل المضيئة لم تترك الليل ليلاً، فحوّلته إلى نهار، إضاءة كانت تمهّد للقصف الذي لم يكن يهدأ حتى يبدأ مجدّداً
وبسبب تغيير مسارنا أنا والأخ أحمد حسون وصلنا إلى قرية عبيه وركبنا مع شباب من أحد الأحزاب اللبنانية، كانت سيارتهم متجهة إلى عاليه، وصلنا إليها، وتوجهنا إلى مكتب الأخ «غ ع» الذي تفاجأ بنا، وأبلغنا بما أخبره به الإخوة، كما أبلغنا بأن المجموعات الثلاث وصلت إلى بيروت، ما يعني أن خبر «استشهادنا» قد انتشر، وفي تلك الظروف كان انتشار خبر استشهاد مقاتل يسري بين الجميع كالنار في الهشيم. فأسرع الأخ «غ ع» إلى عامل اللاسلكي، لإبلاغ الجميع، بأننا بخير.
تم تأمين طريقنا إلى بيروت، وبالفعل وصلنا إليها، وتوجّهنا مباشرة إلى منطقة الروشة، حيث نزح إليها أغلب الأهالي من الدامور، وعند وصولنا شاهدنا تجمعاً في أسفل مبنى الجمال، ليتفاجأ الجميع بحضورنا. ولعل أكثر المشاهد المحفورة في ذاكرتي من تلك المرحلة، لقاء الأخ أحمد حسون ووالدته رحمهما الله. أما أنا، فمن سوء حظي لم أجد والدتي وإخوتي بين النازحين، للأسف، فقد كانوا قد وصلوا إلى مدرسة أبناء الشهداء في سوق الغرب، وأجلوا كل الطلاب إلى سوريا، ومعهم والدتي وإخوتي، ولثلاثة أيام بقينا نتواصل مع العمليات، حتى نوصل إلى أمي وإلى عائلتي أنّي بخير ولم أستشهد.