بغداد | تعمّقت الأزمة بين قوى شيعية والأحزاب الكردية في العراق، بشكل أكبر، خلال جلسات التصويت على الموازنة، وخاصة بعد التعديلات التي أُجريت على المواد الخلافية المرتبطة بكردستان، والتي أثارت غضب القيادات الكردية، التي اعتبرتها محاولة لتقويض كيان الإقليم الدستوري والمالي. ولم يكن «الحزب الديموقراطي الكردستاني» موافقاً على تلك التعديلات بعد التصويت النهائي على الموازنة، ووصفها زعيم الحزب، مسعود بارزاني، في ذلك الوقت، بأنها غير دستورية وتهدف إلى تعميق المشكلات و«انتهاك حقوق الشعب الكردستاني». لكن الكثير من النواب الذين يمثّلون محافظات أخرى في الوسط والجنوب، اعتبروا أن تضخيم حصّة الإقليم يأتي على حساب محافظاتهم، علماً أن موازنة عام 2023 تألّفت من 168 مادة، وبلغ حجمها 198.9 تريليون دينار (153 مليار دولار)، بعجز قدره 64 تريليون دينار (48 مليار دولار)، واحتُسب سعر برميل النفط فيها 70 دولاراً. وما إن مضت ثلاثة أسابيع على إقرار الموازنة الثلاثية (ثلاث سنوات) والمصادقة عليها ونشرها في جريدة الوقائع الرسمية، حتى قدّمت حكومة بغداد طعناً في 12 مادة وفقرة قانونية منها لدى المحكمة الاتحادية، بداعي أنه تمّت إضافتها وتعديلها من قبل البرلمان، فضلاً عن أنها تتضمّن كلفة مالية قد تتعارض مع المنهاج الوزاري الذي تتبنّاه الحكومة منذ تشكيلها.وتفيد مصادر سياسية في بغداد بأن زيارة رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، لأربيل يوم الجمعة الماضي، بشكل غير معلن، ولقاءه بارزاني، يأتيان ضمن اتفاق سياسي مع كردستان على تقديم الطعون في المواد التي أحدثت خلافات مع الأحزاب النافذة في بغداد. وحول هذه الطعون، يوضح القيادي في «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، خليل دوسكي، أنها «تخصّ المواد المتعلّقة بكيفية الصرف والاستحقاق الكامل لكردستان، فضلاً عن المادة التي تخصّ العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، والتي تتضمّن استبعاد الدور الدستوري للأخير في العملية السياسية». ويلفت دوسكي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «حكومة أربيل لاحظت أن تمرير تلك المواد بشكل سريع وبالقوة، مخالف للدستور وللقوانين الاتحادية السارية، لذا أخذنا على عاتقنا تقديم الطعون»، متابعاً «(أنّنا) «توجّهنا إلى المحكمة الاتحادية لغرض تثبيت حقوقنا في الموازنة، ونحن كأحزاب كردية ستكون لنا مساعٍ كبيرة في تعديل المواد، وخاصة أنّنا اتفقنا مسبقاً مع حكومة بغداد عليها».
وتتّفق النائبة عن «الاتحاد الوطني الكردستاني»، وعضو اللجنة المالية، نرمين معروف، مع دوسكي، معتبرة أن «من حق حكومة الإقليم تقديم طعون حول المواد الخاصة بها، وغيرها من المواد التي تمسّ حقوق كردستان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة». وتشير معروف، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «فقدان الثقة ونقض الاتفاقات بين الطرفين، جاءا أثناء المناقشات والتصويت على الموازنة، إذ جرى تعديل بعض النصوص الواردة من الحكومة، والتي تمثّل الإطار العام للاتفاقية المعقودة بين الطرفين». وتشدّد على «أهمّية تعديل حصة الإقليم وتغيير النسبة من 12.67% إلى 14%، كحق من حقوق كردستان، فضلاً عن تعديل كلّ المواد التي تضمن استحقاقات شعبنا الكردي. ولذا، فإن خطوة الطعون هي الأولى، بينما هناك خطوات أخرى سيتّخذها النواب الأكراد لكسب مستحقات ممثّليهم بشكل كامل».
حكومة الإقليم تنظر إلى المواد المطعون فيها على أنها تخلّ عن الدستور والاتفاق السياسي بين أربيل وبغداد


من جهته، يوضح عضو اللجنة القانونية النيابية، رائد المالكي، أن «مدّة الطعن تبقى مفتوحة إلى نهاية شهر تموز تقريباً، ولذا، قد تكون هناك طعون جديدة في بعض المواد، لأن أغلبها جرى تمريرها بمزاج سياسي وليس قانونياً أو يراعي المصلحة العامة»، فيما يشير السياسي الكردي المعارض، ياسين عزيز، إلى أن «حكومة الإقليم تنظر إلى المواد التي تمّ الطعن فيها على أنها تخلّ عن الدستور والاتفاق السياسي بين أربيل وبغداد»، مضيفاً إنها «أيضاً تمثّل خرقاً للمنهاج الوزاري لحكومة السوداني، ولذا، ذهبت حكومة الإقليم إلى المحكمة الاتحادية كما فعلت حكومة السوداني». ويعتبر عزيز، في تصريح إلى «الأخبار»، أنه «في حال استجابت المحكمة الاتحادية، فإن ذلك يمثّل انتصاراً لحكومة كردستان في إزالة ما تراه قنابل موقوتة، وُضعت في بعض مواد الموازنة العامة، ولا سيما تلك التي تتعلّق بالنفط وحصة الإقليم من الموازنة وإمكانية قطع الحصة الخاصة به تحت أيّ ضغط يمكن أن تمارسه الأطراف السياسية المتنفّذة في بغداد على حكومة السوداني». ويعتقد عزيز أن «الطعون المقدَّمة من كردستان في هذا التوقيت، جاءت ضمن توافق سياسي». كما يتصوّر أن «هناك تفاهمات بين الإطار التنسيقي الشيعي والحزب الديموقراطي والاتحاد الوطني، وخاصة بعد امتعاض بارزاني، مما جرى في مناقشات قانون الموازنة».