بغداد | يسود الأوساطَ العراقية اعتقادٌ بأن التحرّكات النشطة الأخيرة لأنصار «التيار الصدري»، وأحدثها ضدّ السفارة السويدية تنديداً بسماح السويد للاجئ عراقي مقيم في استوكهولم، للمرّة الثانية على التوالي، بإحراق القرآن، إنّما هي بداية لعودة التيار إلى الساحة السياسية التي غاب عنها منذ سنة تقريباً. وفي نهاية حزيران الماضي، احتشد الآلاف من أتباع «الصدري» في بغداد ومدن عراقية أخرى، بأمر من زعيمهم مقتدى الصدر، للاحتجاج ضدّ حادثة حرق القرآن في السويد، وهو ما عاودوه في الـ20 من تموز الجاري، عندما اقتحموا مبنى السفارة وأضرموا النيران فيها استنكاراً للحادثة نفسها، وهو ما أشعل أزمة ديبلوماسية في ما بين بغداد واستوكهولم. وقبل ذلك، في منتصف تموز، اقتحم «الصدريون»، بشكل مفاجئ، مقرّات حزب «الدعوة» في مختلف محافظات العراق، وأنزلوا صور زعيمه نوري المالكي، كما استهدفوا مقرّه في مدينة النجف بالقنابل، بعد اتّهامهم إيّاه بالإساءة إلى مرجعهم محمد صادق الصدر. أيضاً، تَنشر منصّات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي داعمة لـ«الصدري»، يومياً، عشرات المدونات التي تذكّر بقرب عودة التيار من بوّابة النشاطات والفعاليات الشعبية، إلى جانب تذكير الحكومة الحالية بانتهاء المهلة التي تعهّد رئيسها، محمد شياع السوداني، بأن يعالج في خلالها جملة من القضايا التي تمسّ حياة المواطنين كارتفاع سعر صرف الدولار.وكان الصدر اعتزل العملية السياسية في حزيران 2022، بعد أشهر من التوترات مع قوى شيعية منافسة بشأن تشكيل الحكومة، الأمر الذي أدّى في نهاية المطاف إلى تقديم نواب كتلته وعددهم 74 استقالاتهم من البرلمان، فضلاً عن غلق جميع مكاتبه السياسية في البلاد. لكن عقد الصدر مؤتمراً صحافياً في مقرّ إقامته في منطقة الحنانة في محافظة النجف حول حادثة حرق المصحف، وتلويحه بالمزيد من التصعيد في حال تكرّرت الحادثة، أثارا تساؤلات بخصوص الخطوات المقبلة للرجل، ولا سيما مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات. والواقع أن لدى زعيم «الصدري» القدرة، في أيّ وقت، على حشد مناصريه في الشارع، تماماً كما فعل قبل حوالي عام، عندما اقتحم أنصاره، تلبيةً لدعوته، المنطقة الخضراء وسط بغداد، واعتصموا فيها لأسابيع، قبل أن تندلع شرارة مواجهات مسلّحة بين التيار وخصومه، سرعان ما تمّ احتواؤها بتراجع الصدر عن مشروعه لتشكيل حكومة أغلبية.
الصدر اعتزل العملية السياسية في حزيران 2022، بعد أشهر من التوترات مع قوى شيعية منافسة


ويجد أغلب قيادات «الصدري» صعوبة في الإدلاء بتصريحاتهم إلى وسائل الإعلام، نتيجة تعليمات سابقة صادرة عن المكتب الخاص للصدر. لكن قيادياً ومسؤولاً سابقاً في التيار، يؤكد، في حديث إلى «الأخبار»، «نيّة الصدر العودة مجدّداً إلى العملية السياسية»، مستدركاً بأن «ذلك لن يكون فقط من خلال الاحتجاجات الشعبية، وإنما سيكون رجوعاً حتمياً، بعد انتهاء جميع المهل لحكومة الإطار التنسيقي لإدارة البلاد، من دون أن نلمس إصلاحاً حقيقياً أو محاربة للفساد الموجود في البلاد». لكنه لا يتوقّع العودة قبل الانتخابات المحلّية، قائلاً إنه «سمع شخصياً من مقرّبين من الصدر نيّة عدم المشاركة الفعلية في الانتخابات»، غير مستبعِد في الوقت نفسه «دعم بعض القوائم المستقلّة». ويذكّر القيادي بأن «الفعاليات الشعبية لم تنقطع أبداً منذ عام 2003، ومنها صلاة الجمعة، والاحتجاجات أمام السفارة السويدية في بغداد، وكذلك ضدّ حزب الدعوة الذي يسيء إلينا من خلال الجيوش الإلكترونية المرتبطة به وبالمالكي». ويضيف أن «في التيّار قسماً سياسياً، ولكن ثمّة أيضاً أقساماً أخرى تتعلّق بالفعاليات الدينية والشعبية والعسكرية كسرايا السلام مثلاً في سامراء»، كاشفاً أنه «بعد انسحاب السيد مقتدى من السياسة، وجدنا أن هناك الكثير من الأمور داخل التيار التي تحتاج إلى إعادة هيكلتها، فقمنا بها وأولها التدريبات العسكرية لمقاتلينا كحرب الشوارع، وكذلك الإعلام الذي زاد اهتمامنا به خلال الفترة الأخيرة».
من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي، مناف الموسوي، أن «محفّزات عودة الصدر تنقسم إلى ثلاثة، وهي: أوّلاً، إذا شعر أن هناك مشكلات يتعرّض لها الدين الإسلامي أو المذهب تحديداً، وهذا ما لاحظناه من خلال دعوته إلى الاحتجاجات ضدّ سفارة السويد؛ وثانياً: المصلحة الوطنية إذا تعرّضت للخطر؛ وأخيراً، المصلحة المجتمعية كما حدث في تظاهرات تشرين». ويشير الموسوي إلى أن «الصدر بدأ يعود بالفعل من خلال كسر عزلته وصمته، على الرغم من أنه لم يعلن عودته إلى العملية السياسية، أو مشاركته في الانتخابات المقبلة». أمّا المدوّن والصحافي، أحمد حسين، فيعتقد أن «استثمار الاحتجاجات والمناسبات الدينية قد يكون نافذة للصدر لعدم الغياب عن المشهد تماماً، فضلاً عن تحريك دماء أنصاره من خلال تحشيدهم إلى الشارع». ويضيف حسين أن «قرار عودة الصدر إلى المشهد السياسي مرهون برغبته، وليست هناك موانع أو عقبات أمامه، فهو اعتزل العملية السياسية بمحض إرادته، وربّما ستكون العودة بهذا الشكل».