كذلك، تتضمن الخارطة وضع شروط على المرشح لرئاسة الحكومة، ويأتي في مقدمتها الحصول على تزكية 15 نائباً و10 أعضاء من «الأعلى للدولة»، بما يضمن تمثيلاً متوازناً للمجلسَين في الحكومة الجديدة، والتي ستلقى على رئيسها مسؤولية التنسيق مع مفوضية الانتخابات من أجل التجهيز للعملية الانتخابية بشكل واضح ومحدّد خلال الفترة المقبلة. وبينما لم تتضمّن الخارطة مواعيد مُلزِمة بشأن إجراء الانتخابات ولا حتى تفاصيل التشكيلة الحكومية المتوقّعة، فهي خلت أيضاً من أي رؤية بشأن توحيد الأجهزة الأمنية، التي لن يتمكّن رئيسها المنتظر أصلاً – في حال تجاوز الخلافات جميعها – من فرض سيطرته على مختلف أنحاء البلاد، في ظلّ تعهّد المشير خليفة حفتر بعدم تسليم الجيش إلا لرئيس منتخب من الشعب.
اكتسبت حكومة الدبيبة زخماً إقليمياً كبيراً، بينما لم تنجح الحكومة المكلّفة من البرلمان في التفاعل مع الأطراف الدولية
وتكاد خارطة الطريق الجديدة تتطابق مع الخارطة التي اعتمدها المجلس بعد الفشل السابق في إجراء الانتخابات في نهاية 2021، وتشكيل حكومة موازية بقيادة فتحي باشاغا وإعادة الانقسامات إلى مؤسسات الدولة بين حكومتين. وفي المقابل، تشير التوقعات إلى عدم موافقة رئيس حكومة الوحدة المُقال، عبد الحميد الدبيبة، على مقترحات وتصوّرات مجلس النواب، ليس فقط لعدم ضمان ترؤّسه الحكومة بعد الاعتراف بشرعية خارطة طريق المجلس، ولكن لأن رئيس الحكومة الجديد لن يكون من حقه الترشّح في الانتخابات، في حين يرغب الدبيبة في الترشّح، وبالتالي فهو لن يغامر بالتفريط بالسلطة الحالية من دون ضمانات.
وفي الأسابيع الماضية، اكتسبت حكومة الدبيبة زخماً إقليمياً كبيراً بعد زيارة أجراها الأخير إلى إيطاليا، فضلاً عن استقبال وزيرة خارجيته نجلاء المنقوش في إيران، وغيرها من اللقاءات التي جرت على المستوى الدولي. وفي الوقت نفسه، لم تنجح الحكومة المكلّفة من البرلمان في التفاعل مع الأطراف الدولية بعد الإيقاف المفاجئ لرئيسها منتصف أيار الماضي، وهو ما يعتبره الدبيبة انتصاراً يعزز من مكانته في مواجهة مجلس النواب. وبينما يتحرك الدبيبة شرقاً وغرباً ويتّخذ قرارات ويعمل على تنفيذها، وسط تدخّله لحلحلة مشكلة أزمة إيقاف إنتاج النفط ونجاحه في التفاوض مع الميليشيات المسلحة، يبدو أن الأزمة لن تقتصر على الدبيبة فقط، إنما تشمل أيضاً المشير خليفة حفتر الذي سيرفض تسليم منصبه الحالي كقائد للجيش الوطني، رغم رغبته في خوض الانتخابات الرئاسية. وإذ لم تتطرق مناقشات مجلس النواب لمعالجة هذه الأمور، يُعدّ تحرك البرلمان الليبي، أمس، خطوة تسبق المصالحة التي يسعى المجلس الرئاسي الليبي لإقرارها خلال الأسابيع المقبلة، وسط فرص ضئيلة للنجاح في مواجهة عراقيل أكبر وضعها مجلس النواب بنفسه، عبر الصياغات الفضفاضة وغير الحاسمة التي اعتمدها خلال المناقشات.