بغداد | ما زال قرار الرئيس العراقي، عبد اللطيف رشيد، سحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين ساكو في منصب بطريرك الكلدان في العراق والعالم، يثير استياءً لدى أطراف دينية وسياسية من داخل البلاد وخارجها. وكان ساكو قد غادر بغداد وتوجّه إلى أحد الأديرة في إقليم كردستان، ردّاً على سحب المرسوم الجمهوري، وصدور أمر باستدعائه للمثول أمام القضاء. وتظاهر مسيحيون في مناطق متفرّقة من البلاد ضدّ خطوة رشيد التي عدّوها بمثابة «عدم احترام لهم»، فيما أعلن المرجع الديني الشيعي، آية الله علي السيستاني، تضامنه مع ساكو. وعلى مستوى الخارج، انتقدت الولايات المتحدة، في تصريح للمتحدّث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، قرار سحب المرسوم ومغادرة ساكو بغداد، وهو ما ردّت عليه رئاسة الجمهورية العراقية ببيان شديد اللهجة، مؤكّدة أنها ستستدعي سفيرة واشنطن لدى بغداد، آلينا رومانوسكي، بشأن هذه المسألة. ويرأس ساكو الكنيسة الكلدانية في البلاد بمباركة من البابا فرنسيس منذ شباط 2013، لكنه يتبادل ورئيس حركة «بابليون»، ريان الكلداني، اتّهامات منذ أشهر، إذ يتّهم الأول الثاني بمحاولة الاستيلاء على مقدّرات المسيحيين وأملاكهم في بغداد ونينوى وسهل نينوى، وباحتكار التمثيل السياسي في السلطة والانخراط مع مجموعات مسلّحة كـ«الحشد الشعبي»، متوعّداً باللجوء إلى «المجتمع الدولي» إذا لم يتحرّك رئيس مجلس الوزراء بشأن ذلك. في المقابل، يهاجم رئيس حركة «بابليون» البطريرك، ويقول إنه لا يمثّل المكون المسيحي، كما يتّهمه بسرقة ممتلكات المسيحيين. وتُعدّ الكنسية الكلدانية من أكبر الكنائس في العراق. وفيما تشير تقديرات إلى أن عدد المسيحيين لا يتجاوز 400 ألف نسمة، تتحدّث إحصائيات أخرى عن 200 ألف نسمة فقط، بعدما كانوا قبل عام 2003 نحو مليون ونصف مليون، وتضاءل عددهم بسبب التهجير والقمع والحروب والنزاعات التي شهدتها البلاد في العقدين الأخيرين.
ويتوقّع كثيرون تفاعل الأزمة بين الكلداني وساكو، بشكل أوسع خلال الفترة المقبلة. وفي السياق، ينتقد رئيس «ائتلاف الرافدين»، يونادم كنا، حركة «بابليون» ورئيسها، ويقول لـ«الأخبار» إن الأخير «لم يحمِ المسيحيين، وادّعاءاته بأنه حريص على ممتلكاتهم غير صحيحة»، ويتّهم كنا، «بابليون»، بالاستيلاء على المصالح الاقتصادية للمسيحيين، والاستحواذ على التمثيل السياسي بدعم من تيّارات حزبية كبيرة ومشارِكة في الحكومة الحالية، معتبراً أن «الكلداني يؤسّس مشروعه السياسي على حساب المسيحيين والمتاجرة بهم وبأصواتهم بالتحايل على قانون الانتخابات». ويطالب كنا الحكومة العراقية بحلّ الأزمة، وحماية ممتلكات المسيحيين «من السرّاق والأيادي الفاسدة التي تريد أن تنهي الوجود المسيحي في البلاد».
قرار الرئيس العراقي بسحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين البطريرك ساكو يثير اعتراضات داخلية وخارجية


ويردّ النائب عن كتلة «بابليون» في مجلس النواب، دريد جميل، على تلك الاتهامات بالقول إن «الاتهامات دائماً ما توجّه ضدّنا بشأن المكوّن المسيحي وممتلكاته، ونحن أشدّ المدافعين عن المسيحيين في كلّ مناطق العراق، ولا سيما مع دخول تنظيم داعش، حيث قمنا بتلبية فتوى السيستاني للدفاع عن مناطقنا في ذلك الوقت». ويرى جميل، في حديث إلى «الأخبار»، أن «سحب المرسوم الجمهوري من البطريرك ساكو من قِبل رئيس الجمهورية، جاء بعدما رأى الأخير أن هنالك أخطاء، فأراد الرئيس أن يعالج هذا الموضوع، فأين المشكلة؟»، لافتاً إلى أن «ساكو دائماً يقف على الضدّ منّا، وينتقدنا، ويقول إن بابليون لا تمثّل المسيحيين، فكيف نحن لا نمثّل المسيحيين؟ نحن أكثر من غيرنا مسالمون، وليس لدينا عداء مع أحد». ويبيّن جميل أن «للمسيحيين 14 طائفة في العراق، ولدينا مادة دستورية، هي المادة 43، تنصّ على أن كل الطوائف تمارس شعائرها الدينية وفق خصوصيتها. كما تنصّ في البند باء على أن يشرّع القانون لهم إدارة أوقافهم. نحن نطالب كلّ رؤساء الكنائس بالاتفاق على تشريع قانون يضمن حقوق الجميع بلا خلاف أو تجاوز أو استثمار من طرف ضدّ طرف آخر». وينفي أن تكون «بابليون قد ضغطت على رئيس الجمهورية لسحب المرسوم الجمهوري من لويس ساكو، فليس لدينا سيطرة على هذا الموضوع، ولا حتى على الوقف المسيحي، لأن هناك قانوناً يقول إن على كلّ طائفة أن تدير أموالها».
في المقابل، أوضح مستشار الكاردينال ساكو، بسمان جورج، لوسائل إعلام محلية، أن «المرسوم كان جارياً منذ الخلافة العباسية، وصولاً إلى العهدين الملكي والجمهوري في العراق، وكان في ذلك الوقت يسمّى بالطغراء أو البراءة الرسمية، والذي يعني أن البطريرك الكلداني يمثّل المسيحيين، وهو المتولّي على أملاك الكنيسة، لكن فوجئنا بهذا القرار الصادر من رئيس الجمهورية». وبيّن جورج أن «سحب المرسوم له تأثير إلى درجة أنه سيمسّ أملاك الكنيسة، والكنيسة هي التي يجب أن تدير أملاكها، من دون تدخّل أيّ أحد آخر»، معتبراً أن «نيافة الكاردينال اتُّهم باطلاً وزوراً بأنه باع كنائس قديمة وحوّل بعضها إلى ساحات سيارات وعمارات ودكاكين. وكلّ هذا عارٍ من الصحة وليس هناك أدلّة أو براهين حقيقية على ذلك». ودافع بأن «الكاردينال أنفق الملايين في سبيل ترميم بعض الكنائس القديمة، ومنها كنيسة أمّ الأحزان الكائنة في منطقة باب الشرقي، وسط بغداد، لغرض إعادة افتتاحها، وهي اليوم مفتوحة للصلاة أمام جميع المسيحيين»، واصفاً الادّعاءات «بشأن سرقتنا وبيعنا للكنائس»، بأنها «كاذبة وخاطئة»، لافتاً إلى أن هناك «أناساً كثيرين يتحدّثون عن أن العقارات هي ملكهم وتمّ الاستحواذ عليها من قِبل الجهات المسيحية (بابليون)، فنحن لا نتكلّم ولا نتّهم أحداً في ذلك، وإنّما أصحاب الأموال المسلوبة يتحدثون بذلك».