طرابلس | يبدو جلياً أن «خارطة الطريق» التي اعتمدها البرلمان الليبي لحلحلة العقبات أمام إجراء الانتخابات لن تجدي نفعاً، ما ينبئ باستمرار الجمود في الوضع السياسي. على أن المفارقة هي أن التحفظ على المبادرة جاء هذه المرة من قبل البعثة الأممية في ليبيا، والتي اعتبرتها محاولة ستبوء بالفشل، على غرار التجارب السابقة. وفيما لم يرفض الموقف الأممي المسار السياسي العام للخارطة، إلا أنه تحفّظ على إطلاقه بشكل أحادي الجانب من قبل البرلمان، وعدم تضمّنه مشاورات مع «المجلس الرئاسي» الذي يتابع المناقشات والمسارات السياسية في مسعى لتقريب وجهات النظر. وإذ أكّدت البعثة الأممية، في بيان، أن الأزمة السياسية المستمرة من 12 عاماً لا يمكن حلها بهكذا مبادرات، أشارت إلى ما يترتّب عليها من عواقب وخيمة ستؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من عدم الاستقرار وإثارة العنف. كذلك، تبرز أمام هذا المسار عقبة رئيسة تتمثل في رفض رئيس حكومة الوحدة، عبد الحميد الدبيبة، لتصورات مجلس النواب، والتشكيك في شرعية المجلس الذي سحب الثقة من حكومته قبل عامين.
الرهان الوحيد على إنجاح مسار البرلمان الليبي يتمثّل في تبني المجلس الرئاسي له، إلى جانب تقديم تنازلات من قبل حكومة الدبيبة والبرلمان


وترافق الرفض الأممي لخارطة مجلس النواب، التي تتضمن تشكيل حكومة مصغّرة، مع بدء تشاور أعضاء المجلس مع التيارات السياسية المؤيدة له لترشيح أسماء لرئاسة الحكومة الجديدة، برز من بينها رئيس تكتل «إحياء ليبيا»، عارف النايض، المدعوم من بعض الأطراف الإقليمية أيضاً. وبينما ينتظر المبعوث الأممي، عبدالله باتيلي، نتائج المفاوضات الجارية خارج ليبيا للضغط على الأطراف المختلفة، سواء عبر الاتصالات المصرية ـــ التركية ، أو تلك الفرنسية ـــ الإيطالية، من أجل التوصل إلى رؤية واضحة بشأن التعامل مع الوضع الحالي، لا تزال قنوات التواصل، المباشرة أو غير المباشرة، بين حكومة طرابلس والبرلمان الليبي، مقطوعة.
على أيّ حال، تنبئ التعقيدات باستمرار الجمود السياسي، وإبقاء السلطات الحالية قائمة، بالتزامن مع هدوء على صعيد التوترات العسكرية، فيما يسود القلق بشأن الوضع الاقتصادي، مع استمرار انقسام مؤسسات الدولة وعدم السيطرة بشكل كامل على عملية إنتاج النفط في مختلف أنحاء البلاد. إلا أن الرهان الوحيد على إنجاح مسار البرلمان اليوم، يتمثّل في تبني المجلس الرئاسي للمبادرة خلال مؤتمر المصالحة الوطنية، إلى جانب تقديم تنازلات من قبل الدبيبة وحكومته من جهة، والبرلمان من جهة أخرى، للاتفاق على صيغة وسطية، بينما يتمسك الدبيبة بأن تجري حكومته الانتخابات وتشرف عليها، في الوقت الذي يشترط مجلسا النواب و«الأعلى للدولة» تشكيل حكومة مصغّرة تقوم بالإشراف على العملية الانتخابية.