غزة | تحت أسقف المنازل المبنيّة من الصفيح، تعيش مئات آلاف الأسر في قطاع غزة، وسط ارتفاع مهول في درجات الحرارة في فصل الصيف، يتزامن مع انقطاع طويل للتيار الكهربائي. في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، لم يَجد المواطن أبو محمد، سوى الأواني البلاستيكية لاستخدامها في التهوئة، بعدما نفدت طاقة البدائل المتوفّرة، ومن بينها المراوح التي تعمل بالبطاريات. يقول أبو محمد، في حديثه إلى «الأخبار»: «تصلنا الكهرباء لمدّة 6 ساعات، ثمّ تعاود الانقطاع لأكثر من عشر ساعات، وعندها لا يبقى في المنزل أيّ مصدر للكهرباء، البطاريات تنفد، والمنزل يتحوّل إلى فرن»، مضيفاً أن «التهوئة بالأواني البلاستيكية هي محاولة للتحايل على الجوّ الملتهب فقط». الحال ذاتها يعيشها سكان المنازل المبنيّة من الإسمنت؛ إذ إن الاكتظاظ السكاني في القطاع الذي يسكنه ما يزيد عن مليونَي إنسان، نشر نمطاً من البناء العشوائي المتلاصق، حيث لا تفصل بين البناية والأخرى مسافة تزيد عن المتر الواحد في كثير من الأحيان، كما يقول المواطن هاني أبو القمصان لـ«الأخبار»، مضيفاً أن «أسقف الطوب والإسمنت تمتصّ حرارة الشمس طوال ساعات النهار، فيما يمنع ازدحام الأبنية وصول أيّ تيار من الهواء إلى داخل المنازل، ومع انقطاع الكهرباء تتحوّل المنازل إلى ما يشبه الساونا». خلال الأيام الماضية، تحوّل مطلب تشغيل محطّة توليد الكهرباء بكامل طاقتها إلى وسم شعبي، كاد يُترجَم تظاهرات احتجاجية (وهو ما عاد وحدث بالفعل يوم الأحد الماضي)، بينما لم تستطع شركة توزيع الكهرباء وسلطة الطاقة سوى إصدار التوضيحات وتقديم التبريرات التي ركّزت على أن أزمة الكهرباء هي أزمة سياسية، وأنه لا خطط أو إمكانات جذرية لحلّها. وبحسب مسؤول في شركة توزيع الكهرباء، يحتاج القطاع إلى 500 ميغاوات، تتوفّر منها 190 ميغاوات عبر الخطوط الإسرائيلية، فيما تنتج محطّة توليد الكهرباء الوحيدة هنا ما بين 65 و70 ميغاوات. وبيّن مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة الكهرباء، محمد ثابت، أن «الشركة تعمل في الوقت الحالي ضمن برنامج طوارئ، يعطي الأولوية للمؤسسات الخدماتية مثل المستشفيات وآبار المياه ومحطات معالجة المياه العادمة»، لافتاً إلى أن «المتوفّر لا يتجاوز 190 ميغاوات تكفي لوصول التيار الكهربائي إلى المنازل من 4 إلى 6 ساعات يومياً مقابل قطعه لنحو 12 ساعة، لأن القطاع يحتاج إلى نحو 500 ميغاوات من الكهرباء». وأوضح جلال إسماعيل، وهو رئيس سلطة الطاقة في القطاع التابعة لحركة «حماس»، بدوره، أن موجة الحر الحالية ضاعفت من استهلاك الكهرباء، معتبراً في الوقت نفسه أن «الأزمة هي أزمة سياسية أولاً وأخيراً». في المقابل، ألقت سلطة الطاقة في رام الله باللائمة على مَن يدير الملفّ في غزة؛ إذ رأى ظافر ملحم، وهو رئيس سلطة الطاقة في رام الله، أن «أزمة الكهرباء في القطاع ليست وليدة اليوم أو السنة، إنما هي نتاج إدارة غير سليمة»، مضيفاً أنه «كان بالإمكان معالجة الموضوع من خلال مَن يدير القطاع».
خلال الأيام الماضية، تحوّل مطلب تشغيل محطّة توليد الكهرباء بكامل طاقتها إلى وسم شعبي


لكن من وجهة نظر سياسية، فإن الكهرباء هي واحدة من أدوات «الضغط والابتزاز والتطويع»، كما يرى المحلّل السياسي، أيمن الرفاتي، لافتاً، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أنه «منذ 15 عاماً، لم تغب أزمة الكهرباء عن طاولات التفاهمات مع الوسطاء الدوليين والسلطة، وحتى في تفاهمات وقف إطلاق النار عقب المعارك والحروب»، مستدركاً بأن «كلّ الحلول التي توفّرت هي حلول مؤقّتة وجزئية، تهدف إلى إدارة الأزمة وليس حلّها. الاحتلال يستخدم أزمات القطاع عموماً كأوراق ضغط على المقاومة وحاضنتها الشعبية، ومن يدير الأزمة في القطاع يدرك أنه ليس بالإمكان أفضل ممّا هو كائن». مع ذلك، يعتقد الناشط الحقوقي، رامي محمد، أن «الهيئات الإدارية في غزة لا تراعي ظروف المواطنين، الذين أنهكهم أيضاً الحصار المفروض على القطاع»، قائلاً في حديثه إلى «الأخبار»: «من الحق أن نقرّ بأن أزمة الكهرباء مفروضة على القطاع، وهي أداة ابتزاز وتطويع، هذا صحيح، لكن أن تتصرّف شركة توزيع الكهرباء وكأنها تسكن في كوكب آخر، وتفرض على الشرائح الفقيرة تركيب عدّادات مسبقة الدفع، فذلك يعني أن الكهرباء ستصبح من نصيب الميسورين والأغنياء فقط. هذا سلوك لا ينسجم مع تعزيز الحاضنة الشعبية للمقاومة، ويعني أن هناك أطرافاً تحرص على الجباية، بمعزل عن نتائجها الكارثية على السكان». وكانت شركة الكهرباء دافعت بأن العدادات مسبقة الدفع، المعروفة بالعدادات الذكية، تهدف إلى إجبار المواطنين على الترشيد في استخدام الكهرباء، وعلى زيادة مداخيل الشركة التي تسجّل ديوناً على المواطنين تتجاوز 1.4 مليار دولار. ووفقاً لإحصائيات شركة توزيع الكهرباء، فإن فاتورة سحب الكهرباء الشهرية تتجاوز قيمتها الـ 13.6 مليون دولار، تحصّل منها الشركة من المواطنين 4.1 ملايين دولار، فيما يصل معدل العجز الشهري إلى 9.5 ملايين دولار.