رام الله | لم يكن اختيار المتطرّف إيتمار بن غفير وزارة «الأمن القومي» في حكومة بنيامين نتنياهو، قراراً عبثياً، بل خطوة مدروسة لترجمة بعض أهداف برنامجه الانتخابي، والمتمثّل في تنغيص حياة الأسرى الفلسطينيين في السجون، وتحويلها إلى جحيم، من خلال التعهّد لناخبيه بسرقة إنجازات الحركة الأسيرة، وسحبها عبر قرارات وقوانين. وبالفعل، منذ تولّيه منصبه، توالت قرارات بن غفير ضدّ الأسرى، والتي كان آخرها قرار يمنع بموجبه الإفراج المبكر عن الأسرى الإداريين، ما يعدّ بمثابة ضوء أخضر لتنفيذ أحكام الإعدام بحقّ الأسرى المرضى. ويعمل بن غفير ضدّ المعتقَلين وفق خطّة ممنهجة تستهدف الحركة الأسيرة، وترمي إلى مضاعفة صعوبة ظروف الاعتقال، وسرقة الإنجازات المعيشية لتلك الحركة، والتي انتزعتها بتضحيات جسيمة تتمثّل في إضرابات جماعية عن الطعام ارتقى خلالها شهداء. وفي تعقيبه على قراره الأخير، قال وزير «الأمن القومي»: «أنا أعمل على وقف تحسين حياة الإرهابيين في السجون. لا يزال هناك الكثير الذي يتعيّن القيام به»، مضيفاً: «في الأشهر الستّة الماضية، أغلقنا ومنعنا وجود مخبز، وقلّلنا استخدام الحمامات والمياه إلى الحدّ الأدنى، وألغينا علاجات الأسنان على حساب الدولة». وتوعّد بن غفير بمزيد من الخطوات ضدّ الأسرى، قائلاً: «سأعمل على وقف الظروف المريحة والخدمات التي تقدَّم للأسرى، وأسعى لنيل موافقة الحكومة على خطّتي التي تشمل إجراءات أخرى لفرض المزيد من الشروط وتشديد الإجراءات».وتعيش السجون في حالة غليان مستمرّ منذ تولّي حكومة اليمين زمام الأمور، فيما من المتوقّع أن تصبّ العقوبات الجديدة الزيت على النار، كونها ستستدعي من الأسرى القيام بخطوات احتجاجية جديدة، وخاصة في ضوء تجربتهم الطويلة، واقتناعهم بأن السماح لمثل هذه القرارات بالمرور سيفتح شهية بن غفير وحلفائه للتوسّع فيها. وقد لوّح الأسرى، سابقاً، بخوض إضراب مفتوح عن الطعام، عقب إصدار بن غفير قرارات سابقة لتقليل كميات الطعام والماء، واستطاعوا عبر ذلك وقف تنفيذ هذه الإجراءات العقابية. أمّا منع الإفراج المبكر الذي استهدفه وزير «الأمن القومي» في قراره الأحد، فيشمل الأسرى من ذوي الأحكام الواقعة تحت 10 سنوات، فيما يُستثنى منه أسرى الأحكام العالية والمؤبدات، وبموجبه تقوم محكمة الاحتلال بخصم 21 يوماً من فترة حكم الأسير الذي حُكم عليه بالسجن مدّة عام واحد، وشهران إلى ثلاثة أشهر من الأسرى المحكومين ما بين سنتين إلى أربع سنوات. كما يستهدف القرار بالدرجة الأولى الأسرى المرضى الذين لديهم الحق في الإفراج المبكر عنهم، وهو ما يعدّ بمثابة ضوء أخضر لتنفيذ أحكام الإعدام بحقهم بشكل هادئ.
يضع بن غفير، في سلّم أولوياته، تشريع قانون يفرض عقوبة الإعدام على الأسرى المتّهَمين بقتل أو محاولة قتل مستوطنين


وكثّفت سلطات الاحتلال، مع صعود حكومة اليمينَين المتطرّف والفاشي، من استخدام الاعتقال الإداري بحق الفلسطينيين، والذي يبدو جزء كبير من قرارات بن غفير موجّهاً ضدّ المشمولين به بالذات. وبحسب آخر المعطيات الصادرة عن «نادي الأسير» في 31 تموز، فإن العدو أصدر، منذ بداية العام، أكثر من 1600 أمر اعتقال إداريّ حتى نهاية شهر حزيران المنصرم، بينما بلغ عدد المعتقلين الإداريين حتى نهاية الشهر نفسه 1132، من بينهم ثلاث أسيرات و18 طفلاً. وتُعدّ هذه الأرقام هي الأعلى منذ عام 2003، علماً أن ما يزيد عن 80% من المعتقلين الإداريين هم معتقلون سابقون تعرّضوا للاعتقال الإداريّ مرّات عديدة، من بينهم كبار في السن، ومرضى، وأطفال، يقبعون بشكل أساسي في ثلاثة سجون هي: عوفر، النقب ومجدو، فيما يقبع بقيّتهم في عدّة سجون أخرى. ويهدف بن غفير إلى إغلاق أيّ منفذ للإفراج المبكر عن الأسرى، على رغم أن سلطات الاحتلال نادراً ما تقوم بذلك، إذ تؤكد المؤسّسات المعنيّة بالأسرى أن جميع أشكال الإفراج المبكر، سواء القضائية أو الإدارية، مجمَّدة فعلياً منذ سنوات، موضحةً أن الحالات النادرة التي جرى فيها الإفراج مبكراً، كانت متّصلة بأشخاص تَقدّم بهم المرض واستشهدوا عقب الإفراج عنهم.
وتقدَّم طلبات الإفراج المبكر إلى لجان خاصة في سلطات السجون تسمّى «لجان الإفراج المبكر»، والتي تتشكّل من مستويات مختلفة؛ منها الجهاز القضائي. وتكون معظم الطلبات لأسباب إنسانية وعلاجية، لكنها ترفض على غرار تلك التي قُدّمت للأسير الشهيد ناصر أبو حميد المريض بالسرطان والذي قضى في السجن، وكذلك الأسير وليد دقة من الداخل المحتلّ، المصاب بسرطان نادر، والذي قُدّمت من أجله طلبات عديدة لدى محاكم الاحتلال، فيما لم توصِ لجنة خاصة بالإفراج عنه، مع أنه أمضى كامل فترة اعتقاله البالغة 37 عاماً، ويمضي حكماً بالسجن مدّة عامين كعقوبة إضافية. ووفق معطيات المؤسّسات المختصة بشؤون الأسرى، بلغ عدد الأسرى المرضى، حتى منتصف 2023، نحو 700 من بين نحو 5 آلاف، ومن جملة أولئك 24 يعانون الإصابة بالسرطان والأورام بدرجات مختلفة.
ويضع بن غفير، في سلّم أولوياته، تشريع قانون يفرض عقوبة الإعدام على الأسرى المتّهَمين بقتل أو محاولة قتل مستوطنين، بينما عملت حكومة اليمين، منذ تشكيلها، على سلسلة من القوانين والتشريعات والتعديلات ذات الصلة، على غرار قانون سحب الجنسية والإقامة من أسرى ومحرَّرين مقدسيين ومن الأراضي المحتلة عام 1948، وآخر يقضي بترحيل عائلات الأسرى والشهداء. كما تمّت المصادقة بالقراءة التمهيدية على مشروع يقضي بحرمان الأسرى من العلاج الذي يندرج تحت توصيف «تحسين جودة الحياة»، فيما أصدر بن غفير تعليمات داخلية بخصم أموال من مخصّصات «الكانتينا»، في حال استخدام الأسير عيادة علاج الأسنان، بمعدّل 175 شيكلاً عن كلّ ساعة. كذلك، طُرح تعديل قانون «مكافحة الإرهاب» بما يقضي بعدم تسليم جثامين الشهداء، ومشروع قانون «منع الإفراج المبكر عن الأسير الذي صدر بحقّه حكم» على خلفية عمل مقاوم يصنّفه الاحتلال كـ«عمل إرهابي»، ومشروع آخر يبيح سجن الأطفال الفلسطينيين من عمر 12 عاماً بدلاً من إرسالهم إلى مؤسّسات لـ«إعادة التأهيل»، وثالث يقضي بإعطاء صلاحيات واسعة لوزير الشرطة لفرض اعتقالات إدارية وتقييد للحركة على الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة عام 1948، وعدد آخر من مشاريع القوانين التي تمسّ حياة ومصير الأسرى المحرَّرين وعائلاتهم، وتحديداً في القدس وداخل الخطّ الأخضر.