بغداد | يسود اعتقاد بين حكومتي بغداد وإقليم كردستان بأن تشريع قانون النفط سيمثل بدايةً لتعبيد طريق العلاقة الوعر بين الطرفين، لكن في الوقت نفسه يرى مراقبون أن جليد الخلافات المتجذّر لن يذوب بقانون أو اتفاق.وكان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، قد أمر بتشكيل لجنة وزارية مشتركة بين الإقليم والمركز لمناقشة مسودة القانون، تتألف من قادة الكتل السياسية، ووزراء الخارجية والنفط والصناعة، ومستشار وزير الثروات الطبيعية في حكومة كردستان، فضلاً عن عدد من المستشارين والخبراء الفنيين والقانونيين. وعلى رغم توافر مؤشرات على قرب التوصّل إلى اتفاق، إلا أن «الحزب الديموقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني» ما زالا يعترضان على فقرة إدارة النفط المركزية وتسليم واردات الإقليم لسلطة بغداد.
ويهدف قانون النفط والغاز، الذي ينتظر التشريع في البرلمان منذ عام 2005، إلى وضع إدارة الحقول النفطية في مختلف مدن البلاد، ضمن مسؤولية شركة النفط الوطنية «سومو»، وأن تكون تحت إشراف حكومة بغداد.
وفي شباط 2022، قضت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية قانون النفط والغاز الخاص بحكومة الإقليم لعام 2007 والذي ينظّم صناعة النفط واستخراجه في الإقليم. وجاء هذا الحُكم بعدما أبرمت حكومة الإقليم عقوداً مع شركات نفط أجنبية، لكن حكومة الإقليم رفضت الالتزام بهذا القرار.
ويوضح عضو لجنة الطاقة النيابية، باسم الغريباوي، أن «تعطيل هذا القانون في دولة تعتمد في 90 % من وارداتها على النفط هو خسارة كبيرة للبلاد»، مضيفاً في تصريح إلى «الأخبار» أن «عدم تشريع القانون هو أحد أسباب حدوث النزاعات التي ما زالت مستمرة بين الإقليم والمركز. ولذا وضعت الحكومة في بيانها الوزاري سقفاً زمنياً لتشريع هذا القانون في غضون سته أشهر، ولكن للأسف مر الشهر الثامن ولم ينجز حتى اللحظة».
ويؤكد الغريباوي أن «ثمة نية حقيقية وسعياً لتشريع القانون، وشُكّلت لجان مشتركة من الإقليم والحكومة الاتحادية منذ فترة، أجرت نقاشات متكرّرة لتعديله وتشريعه». ويقول إنه «من الناحية الفنية للقانون توصّلت هذه اللجان إلى شبه اتفاق، لكن تم ترحيل المواد من الخامسة وحتى الثانية عشرة»، مشيراً إلى أن «مسودة القانون ستكون جديدة لعام 2023 , بناءً على توجيهات رئيس الحكومة الذي اجتمع مع قادة الكتل السياسة. وهذه خطوة إيجابية لحلحلة الأزمة وتحريك الأمور بالاتّجاه الصحيح».
ويشدّد الغريباوي على مراعاة العدالة وقرارات المحكمة الاتحادية العليا والتحكيم الدولي من ناحية تسليم النفط إلى الحكومة المركزية وأن يتم البيع والتصدير واستلام المبالغ من خلال «سومو»، معترفاً بأن «هناك خلافاً حول المجلس الاتحادي النفطي الذي يجب أن يُشكّل بموجب هذا القانون، وإدارة اللجان التي ستشكل، ومن المسؤول عن هذا المجلس. هل هو رئيس الوزراء أم وزير النفط أم خبير؟».
من جانبها، ترى القيادية في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، سوزان منصور، أن «تشريع القانون سيأتي بالفائدة ليس فقط على إقليم كردستان، بل على الشعب العراقي، الذي ينتظر استحقاقات عادلة ومنصفة، بعدما أصبح النفط أحد منافذ الفاسدين». وتؤكد لـ «الأخبار» أن «الخلافات السياسية هي التي عرقلت تمرير القانون لسنوات طويلة، لكن في الوقت الحالي هناك فرصة مناسبة للتّحاور والاتفاق لتعديل مسودة القانون وتمريره في الجلسات المقبلة».
عدم تشريع القانون هو أحد أسباب حدوث النزاعات المستمرة بين الإقليم والمركز


وتوضح منصور أنه جرى في خلال الاجتماعات الأخيرة، التي حضرها وفد رفيع المستوى من الإقليم، «الاتفاق على ضمان حقوق كردستان»، مشيرة إلى أن «الاتفاق السياسي الذي وقّعت عليه الأحزاب الكردية خلال مشاورات تشكيل الحكومة الحالية، كان من أهم نقاطه تشريع قانون النفط والغاز وتأمين الثروة النفطية بشكل عادل، من دون المزايدات السياسية التي تحدث عند تشكيل الحكومات أو إقرار الموازنة المالية».
أما القيادي في الحزب الديموقراطي، محما خليل، فيدعو إلى «تشريع القانون بأسرع وقت ممكن، التزاماً بالورقة السياسية التي تم فيها الاتفاق على ضمان حصة الإقليم النفطية، وكذلك حصته في الموازنة المالية التي دائماً ما تثير الخلاف بين حكومتي الإقليم والمركز».
ويُعبّر في حديث إلى «الأخبار» عن أمله «في المضي بقراءاته وتشريعه قبل أن تتم عرقلته من قبل الأطراف السياسية، لأن هناك أحزاباً في بغداد تريد ذلك، والسبب هو أن إقرار القانون يضر بمصالحها النفطية، لأنها مستفيدة من الأزمة المتجذّرة».
وإلى ذلك، يرى المحلل السياسي المستقل، محمد الفيصل، أن «الاتفاق بين بغداد وأربيل على الملفات كافة صعب للغاية، لكنهما أصبحتا مجبرتين على مناقشة قانون النفط والغاز، لأن الإقليم مُنيَ بخسارة كبيرة تقدر بمليارات الدولارات إزاء توقف صادراته عبر ميناء جيهان التركي». ويقول لـ«الأخبار» إن حكومة السوداني «أصبح لديها التزام بدفع رواتب موظفي الإقليم ومنح استحقاقاتهم من النفط وحصة الموازنة». ويتابع أن «تمرير القانون يحتاج إلى اتفاق سياسي متين، ولا سيما أن هناك أطرافاً شيعية ترفض ذلك، نتيجة اعتقادها بأن محافظات الوسط والجنوب الغنية بحقول النفط والثروات هي الخاسر والمتضرّر دائماً من توزيع النفط».
وفي المقابل، يعتقد الخبير في النفط والغاز، محمد العكيلي، أن «الفرص في هذا القانون كبيرة جداً لكل المحافظات، في حال كان هناك التزام بقاعدة القانون التي أساسها الاتزان الدستوري وتطبيق المساوة بين كل الأطراف المستفيدة من الثروات». ويقول لـ «الأخبار» إن «قوة القانون تنطلق من جمع البيانات والمعلومات التي تغطي الملفات في هذه المسودة»، مضيفاً أن «تشريعه سيعطي استقراراً سياسياً أكثر، وينظّم علاقة إيجابية بين الطرفين المختلفين، فضلاً عن معرفة وجلب إيرادات النفط سواء أكانت في الإقليم أو في المركز، ووضع العائدات تحت حساب موحّد تشرف عليه الحكومة الاتحادية». ويعتبر أن «القانون سينصف المحافظات المنتجة للبترول جميعها، وهذا ما ينعكس في زيادة مخصصات المحافظات في الموازنة المالية». ويلفت إلى أن الإقليم في الوقت الحالي في ضائقة سياسية واقتصادية، ولا سيما من الشركات الأجنبية التي توقّف عملها بعد قرار محكمة باريس والموقف التركي الذي رفض استقبال النفط والغاز من كردستان، ما يدفعه إلى الالتزام بما عليه من شروط وتعليمات تخص الثروة النفطية».