أنهى الشهيد كامل أبو بكر، ثمانية أشهر من المطاردة، بطريقته التي خطّط لها مطولاً، وتمنّى نجاحها ملحّاً على الله بالدعاء مراراً، إذ استطاع ابن ال 27 ربيعاً أن يجتاز الإجراءات الأمنية المعقّدة، ويتسلّل إلى قلب مدينة تل أبيب، حيث نفّذ بمسدّسه عملية إطلاق نار، تسبّبت في مقتل مجنّد في شرطة الاحتلال وإصابة خمسة آخرين.

ابن بلدة رمانة غربي مدينة جنين، كان قد نفّذ مطلع العام الجاري، سلسلة من عمليات إطلاق النار، استهدف فيها موقع سالم العسكري، المحاذي لبلدته. ولما انكشفت هويته للاحتلال، وشرع الأخير في مطاردة شرسة له، ترك مسقط رأسه، وانتقل للعيش في مخيم جنين. هناك، احتمى بـ «كتيبة جنين»، وشارك معها في عملياتها ونشاطاتها. ويقول مصدر ميداني في الكتيبة في حديث إلى «الأخبار»، إن الشهيد أبو بكر (أبو دجانة) كان مثالاً للمقاوم الذي لا يعرف الراحة، إذ كرّس حياته للمشاركة في التصدّي للاقتحامات الإسرائيلية، والمبادرة إلى تنفيذ عمليات المشاغَلة وإطلاق النار.
ويتابع المصدر أن أبو بكر «لم يترك نقطة رصد على أطراف المخيم، إلّا وشارك فيها. وفي أوقات راحته، كان يمضي ساعات طويلة في غرف المتابعة الإلكترونية (..) لقد ساورته الرغبة في تنفيذ عملٍ مميز، يختتم فيه رحلة المطاردة الشاقة مبكراً، فكتب وصيته في شباط الماضي، وكان يقضي وقته غارقاً في التفكير والتخطيط».
وكانت مصادر إسرائيلية قد ذكرت، أول من أمس، أن منفذ العملية كان يحمل وصيةً في جيبه مكتوباً فيها أنه أراد الثأر لهجوم المستوطنين على قرية برقة شرق رام الله ليلة الجمعة، والتي تسببت باستشهاد الشاب قصي معطان برصاص مستوطن.
في وصيته التي أفصح عنها رفاقه بعد استشهاده، قدم أبو بكر، مستوى عالياً من الصوفية والتعلّق بالله، وعبر عن انتمائه المتين لدينه، قائلاً «يكفيني أنني مسلم»، وداعياً إلى قتال الباطل المتمثّل بالاحتلال الإسرائيلي، وموصياً رفاقه المقاومين بالوحدة ونبذ الخلافات. واختتم وصيته، بمجموعة من العبارات البسيطة، التي عبر فيها عن شوقه لربه، وتوقه لرؤية وجهه، وأن هذا الشوق «أشد من شوق الناس جميعاً إلى هذه الدنيا الفانية».
بدت الصدمة التي تركها العمل البطولي في وسائل إعلام الاحتلال كبيرة


يضيف بطل جنين: «والله إن الأمر الذي يحزنني هو بقائي في هذه الدنيا، فأنا ارتضيت بالآخرة، وبِعْت روحي التي أعطاني الله إياها، إليه جلّ في علاه».
بدت الصدمة التي تركها العمل البطولي في وسائل إعلام الاحتلال كبيرة، إذ تساءلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن الطريقة التي يستطيع فيها مسلح من «كتيبة جنين»، معروف أنه ناشط في «حركة الجهاد الإسلامي»، التسلّل إلى عمق المدن المحتلة، على الرغم أن صورته معمّمة على مختلف الحواجز وكاميرات المراقبة. وتساءلت إن كان الهجوم عملاً فردياً أم مخططاً له ومدروساً من قبل خلية منظمة، كما طرحت تساؤلاً عن المخطّط الذي كان ينوي تنفيذه، خصوصاً أن كاميرات المراقبة أظهرته وهو يمشي بجانب مطعم مكتظ بالمستوطنين، ولم يبادر إلى إطلاق النار، بل اضطر إلى التنفيذ حينما أثارت تحرّكاته ريبة إحدى دوريات الشرطة. وإزاء تلك الأسئلة التي التزمت أمامها «كتيبة جنين» الصمت، يرى المحلل السياسي إسماعيل محمد، أن العملية تمثّل صفعة أمنية كبيرة للمنظومة العسكرية الإسرائيلية. ويوضح لـ «الأخبار» أن «المقاومة في مخيم جنين، أوصلت رسالة اقتدار وثقة، وأرادت أن تقول إنها بكامل عنفوانها وقدراتها، خصوصاً في ظل المخطّط الأمني الذي تتشارك في تنفيذه سلطات الاحتلال والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة». ويضيف أن «هذه العملية هي رد على كل محاولات تقويض الكتيبة من الداخل، وهي رسالة من كتيبة جنين، بأن شغلها الشاغل سيبقى الاحتلال، من دون الالتفات إلى أي جهات أخرى».