بعد شهر من الهدوء الميداني الذي أعقب معركة «بأس جنين، نفّذت القوات الخاصة في جيش الاحتلال، مساء الأحد، عملية اغتيال طاولت ثلاثة من كوادر «كتيبة جنين» التابعة لـ«سرايا القدس»، الذراع العسكرية لـ«حركة الجهاد الإسلامي». وفيما زفّت الكتيبة شهداءها: نايف أبو صويص وخليل أبو ناعسة والشبل براء القرم، كشف موقع «واللا» العبري أن قيادة جيش الاحتلال تعتزم إعطاء الضوء الأخضر للجيش لتوسيع نطاق حرية عمله في الضفة الغربية المحتلّة، عبر تنفيذ اغتيالات للمقاومين على غرار اغتيال الشبّان الثلاثة في منطقة عرابة في قضاء جنين شمال الضفة. من وجهة نظر «كتيبة جنين»، التي اعتبرت، في بيان نعي الشهداء، أن جيش الاحتلال يحاول «اللعب بجبهتنا الداخلية»، مهدِّدةً بأن «عذاب الله قد يأتي رياحاً أو يأتي رجالاً من كتيبة جنين»، مشيرة إلى العملية التي نفّذها المقاوم كامل أبو بكر، في وسط مدينة تل أبيب بقولها: «وما العمق عنا ببعيد»، فإن الهدف الإسرائيلي من عملية الاغتيال، يمكن حصره في اتّجاهَين: الأوّل، وفق ما قاله مصدر في الكتيبة تحدّثت معه «الأخبار»، «هو محاولة ردّ اعتبار، وخصوصاً بعدما تمكّنت المقاومة من توجيه صفعة أمنية، تسلّل فيها مقاوم على رأس قائمة المطلوبين، إلى أكثر المدن المحتلة تحصّناً وأمناً». وأمّا الثاني، بحسب المصدر، فهو «تعزيز عمليات العزل والتطويق لحالة المقاومة، التي يريد الاحتلال أن يحصر وجود خلاياها في مخيم جنين، ويمنعها من التمدّد إلى المدينة ومناطق أخرى، بالاشتراك مع السلطة الفلسطينية، وهذا ما يفسّر تنفيذ عملية الاغتيال خارج المخيم».
يجاور الشعورَ بالألم إحساسٌ عالٍ بالفخر بصنيع الشهداء


في داخل المخيم، حيث ازدحمت بيوت عزاء الشهداء الثلاثة بالآلاف، على رغم أن الاحتلال لا يزال يحتجز جثامينهم، يجاور الشعورَ بالألم، إحساسٌ عالٍ بالفخر بصنيع الشهداء. يقول أسامة أبو صويص، وهو شقيق الشهيد نايف، إن أخاه ترك «بصمة كبيرة في نفوس أهالي المخيم، الذين أحبّوا فيه بساطته وتواضعه، والتصاقه بكبار السن الذين كان يحبّ مجالستهم»، لافتاً في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «شقيقي ترك الدراسة مبكراً، واضطرّ إلى العمل، لكنه ترك العمل أيضاً، بعدما استحوذ العمل المقاوم على حياته». ابن الـ 27 ربيعاً، نشط في صفوف «كتيبة جنين»، وشارك في مختلف عمليات التصدّي للاجتياحات الإسرائيلية، وبادر في تنفيذ عدّة عمليات إطلاق نار استهدفت موقع الجلمة العسكري، بحسب أسامة، الذي يضيف إنه «خلال الاجتياح الإسرائيلي للمخيم، اقتحم جيش الاحتلال منزلنا الثاني في قرية الكحليشة القريبة من بلدة قباطية، وعاثوا بالبيت خراباً بحثاً عن نايف، فيما كان شقيقي يتقدّم صفوف المجاهدين متنقّلاً بين حارة الدمج وحيّ الجابريات في المخيم (...) لقد شرّفه الله بالنهاية التي تمنّاها، لقد كان على موعد مع الشهادة، منذ أن أصبح مطارَداً قبل نحو سبعة أشهر».
أما محمد أبو ناعسة، وهو شقيق الشهيد خليل، فيروي، لـ«الأخبار»، حكاية سنوات شقيقه الـ 21، إذ تعرّض للاعتقال مرّتَين - وهو لم يكن تجاوز في الأولى الـ 17 عاماً من العمر -، قضى في كلّ واحدة منهما عاماً ونصف عام في سجون الاحتلال. وخلال مدّة الاعتقال الثانية، استشهد أعزّ أصدقائه، براء لحلوح وعبد الله الحصري ومحمد مرعي، كما يقول محمد، مضيفاً إن «جيش الاحتلال أطلق سراحه من السجون قبل سبعة أشهر فقط، ومنذ ذلك الحين، عاش حياته بشكل طبيعي، علماً أنه كتوم للغاية، ولا يحبّ الظهور. لكن منذ شهر ونصف شهر، بدأنا نشعر بأنه يخفي شيئاً، وعلمنا بعد استشهاده أنه كان أحد أبرز نشطاء المقاومة، وشارك في تنفيذ عملية إطلاق نار، في نهاية شهر أيار الماضي، في مستوطنة حوميش في طولكرم، تسبّبت بمقتل جندي وإصابة آخرين». أمّا محمود (اسم مستعار)، وهو أحد رفاقه في المقاومة، فيقول إن «كلّ حارة من حواري مخيم جنين، كانت شاهدة على إقدامه وبطولته خلال معركة "بأس جنين"»، متابعاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «خليل لم يترك سلاحه في الشهر الأخير من حياته، بعدما أدرك أن الاحتلال وضعه على رأس قائمة الاغتيال، بل نال شرف الشهادة، وهو الذي أعدّ نفسه لها وانتظرها في كلّ دقيقة».