غزة | على الرغم من أن سلاح الطائرات المسيّرة لم يُثبت حتى اللحظة فعالية قتالية لافتة في قطاع غزة، إلّا أن المنظومة العسكرية الإسرائيلية تُولي هذا الملفّ اهتماماً بالغاً، ولا سيما وسط تقديرات بأن الأذرع العسكرية لحركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» استطاعت خلال السنوات الماضية، تطوير قدراتها في المجال المذكور. وفي هذا الإطار، زعمت سلطة المعابر في جيش الاحتلال، صباح أمس، أنها استطاعت ضبط 10 طائرات مسيّرة تُستخدم لأغراض التصوير، كانت في طريقها إلى غزة عبر منفذ «بيت حانون - إيرز»، الذي يربط القطاع بالأراضي المحتلة عام 1948. وقالت سلطة المعابر الإسرائيلية، في بيانها، إن المفتّشين صادروا حقيبة سوداء تحتوي على عشر طائرات تصوير يمكن استخدامها في أغراض جمع المعلومات الاستخبارية من قِبَل فصائل المقاومة، موضحةً أنه لم تكن هناك أيّ معلومات استخباراتية عن عملية التهريب، التي تمّ إحباطها «بفضل يقظة المفتشين الأمنيين ووحدة الكلاب البوليسية في معبر إيرز، عندما قام كلب من الوحدة بالتعرّف على الحقيبة وجلس عليها أثناء فحص محتويات المركبة».
تُظهر الصور التي نشرها الإعلام العبري للطائرات المضبوطة، قطعاً من ماركة «OAS»

وتُظهر الصور التي نشرها الإعلام العبري للطائرات المضبوطة، قطعاً من ماركة «OAS»، وهي طائرة غير احترافية ولا عسكرية، تُستخدم غالباً من قِبل المصوّرين الهواة، ولا تزيد مدّة تحليقها عن 16 دقيقة، بجودة تصوير «4K»، وبارتفاع جوي لا يتجاوز الـ200 متر. ووفقاً للزميل الصحافي المتخصّص في مجال التصوير الجوي، محمد عاصم، فإن النسخ المتوافرة لدى مصوّري القطاع في الوقت الحالي، تتجاوز إلى حدّ كبير إمكانات الطائرات المضبوطة، التي لا تصلح سوى لتصوير الأفراح والاستخدام الشخصي. ويلفت عاصم، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أنه «منذ سنوات، تفرض سلطات الاحتلال حظراً على توريد هذا النوع من المعدّات، بزعم استخدامها لأغراض عسكرية. لذا، فإن هذه الكاميرات التي تباع بأسعار زهيدة، عبر موقع أمازون مثلاً، تُعتبر أدوات خطيرة من وجهة النظر الإسرائيلية. وبحسب زعم الاحتلال، فإن هذه الطائرات يمكن الإفادة من تقنيتها، في تطوير ما تمتلكه المقاومة من نسخ من العائلة نفسها».
في مقابل ذلك، كانت المقاومة قد نجحت، منذ الإعلان الأول عن توظيف سلاح الطائرات المسيّرة في حرب عام 2014، في صناعة نسخ متعدّدة من «الدرونز». إذ طوّرت «كتائب القسام»، في عام 2014، طائرات حملت اسم «أبابيل» بثلاثة نماذج، هي: «A1A» ذات المهام الاستطلاعية، و«A1B» ذات المهام الهجومية، و«A1C» ذات المهام الانتحارية. وفي 15 كانون الأول 2016، اغتال «الموساد» الإسرائيلي، المهندس التونسي محمد الزواري، الذي كشفت «القسام» أنه أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل «القسامية». وفي خلال معركة «سيف القدس» في أيار 2021، برز سلاح الطائرات المُسيّرة لدى «القسام»، التي نجحت في استهداف منصة الغاز في عرض البحر قبالة ساحل شمالي القطاع، ومصنع الكيماويات في «نير عوز» شرقي القطاع، وتحشُّدات عسكرية على التخوم. وأظهر مقطع فيديو نشرته الكتائب، وقتذاك، لحظة ارتطام الطائرة المفخّخة بالمصنع وانفجارها. كما نشرت، في 19 أيار 2021، مقطع فيديو يُظهر طائرة «الزواري» المسيّرة وهي ترصد مواقع لجيش الاحتلال في خلال طلعة جوية لها، وعودتها إلى قواعدها بسلام. على أن آخر ظهور علني لسلاح الطائرات المسيّرة لدى «القسام»، كان في الربع الأول من كانون الأول 2022، حينما حلّقت طائرة «شهاب» الانتحارية في سماء ميناء غزة، ضمن فعالية «غازنا حقنا»، وهدّدت فصائل المقاومة آنذاك، باستهداف حقول الغاز المسروقة، المحاذية للقطاع في حال استُثنيَت غزة من حقها في ريع حقل «غزة مارين». كذلك، كشفت «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، في نهاية العام الماضي، عن تطويرها طائرة مسيّرة حملت اسم «جنين»، وأكدت أنها نجحت في استخدامها في مهمّات قتالية عدّة، تمكّنت في واحدة منها في عام 2019 من قصف جيب عسكري على حدود القطاع.
الاحتلال استيقظ متأخّراً، لأن طائرات المقاومة اليوم تجاوزت عقبات كأْداء كانت تعترض تطوّرها قبل عام 2020


إزاء ذلك، يرى الباحث المختص في شؤون المقاومة، إبراهيم عبد العزيز، أن «الاحتلال يمتلك تقديرات مخيفة، ليس عن الواقع الحالي لقدرات المقاومة الجوية، إنّما عن المستقبل الذي ستكون عليه هذه الطائرات، إذ أثبتت التجارب أن البدايات الصعبة، تقود إلى نتائج مفاجأة، كما هو الحال مع الصواريخ التي تضرب الآن حتى مطار رامون وبن غوريون». ويضيف عبد العزيز، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «إلى اليوم، يمكن أن تُحصى نجاحات استخدام الطائرات المسيّرة على أصابع اليد، لكن تجارب التطوير والتحسين مستمرّة، وهذا أمر يدركه الإسرائيلي جيداً، وهو يعلم أن الطائرات الانتحارية ستكون لغة الحروب القادمة، ويضع نصب أعينه النموذج اليمني وخصوصاً أن تبادل الخبرات بين محور المقاومة والقطاع، يمضي في مسار الجسور المفتوحة».
من جهته، يَعتبر مصدر في المقاومة أن «جيش الاحتلال حقّق بِخَبر ضبطه لعدد من طائرات التصوير الصغيرة، قفزة في الظلام، لأن مسار التصنيع والتطوير تجاوز إلى حدّ كبير تقنيات طائرات التصوير، وانتقل قبل سنوات إلى مربّع الطائرات ذات الأجنحة والمحركات التي تستطيع التحليق لمدّة طويلة، وفي ارتفاعات عالية». ويكشف المصدر، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الاحتلال استيقظ متأخّراً، لأن طائرات المقاومة اليوم تجاوزت عقبات كأداء كانت تعترض تطوّرها قبل عام 2020، ولم تَعُد محصورة بالإقلاع بواسطة مدرج معبّد كما كان سابقاً، بل صار بالإمكان إطلاقها من منصّات معدنية، يمكن تمويهها بعيداً عن أعين الرصد الإسرائيلي (...) يمكن لنا أن نؤكد أن الميدان سيقدّم نتائج مفاجئة حول ما وصلت إليه المقاومة».