نفّذ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، «مجزرة» بحقّ معظم محافظي محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة؛ إذ أقال، ظهر أول من أمس، وبطريقة فجّة ومفاجئة، 12 محافظاً من أصل 16. الطريقة التي أقال فيها عباس محافظيه الأكثر خبرة وعمراً في إدارة شؤون المحافظات، تنمّ عن رغبة في تقصد الإهانة والإذلال، وخصوصاً أن المرسوم نُشر عبر وكالة الأنباء الرسمية «وفا»، متضمّناً أسماء المحافظين المقالين، الذين سمعوا بقرار عزلهم من الصحافيين الذين بادروا إلى الاتصال بهم، من دون أن يُبَلّغوا رسمياً. وفي هذا الصدد، قال محافظ أريحا، جهاد أبو العسل، في تصريحات إلى وسائل إعلام محليّة: «لم يكلّمنا أحد بشأن قرار الإحالة إلى التقاعُد، ولم نبلَّغ به مسبقاً، ولا ندري ما هي الأسباب، وفوجئنا به من وسائل الإعلام»، فيما قال محافظ طولكرم، عصام أبو بكر: «علمنا بقرار الإقالة اليوم، ولا نعلم ما هي الأسباب، ونحن ملتزمون بقرار الرئيس». أما محافظ غزة، إبراهيم أبو النجا، فأعلن رفضه الطريقة التي تمّت فيها الإقالة. والجدير ذكره، هنا، أن المجلس الثوري لحركة «فتح» كان قد أوصى، في تموز 2021، بإجراء تغييرات واسعة في مناصب المحافظين والسفراء وحكومة محمد اشتية، لكن تلك التوصية بقيت من دون تنفيذ.
مثيرون للجدل
خلال السنوات الأخيرة، اقترنت أسماء بعض المحافظين المقالين بتصريحات وتصرفات أثارت جدل الشارع، وتسبّبت بموجة انتقادات واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي. ففي 22 كانون الأول من العام الماضي مثلاً، طالب محافظ جنين، أكرم الرجوب، سلطات الاحتلال، بالتوقف عن اقتحام المخيم، وإعطاء الأجهزة الأمنية فرصة للتعاطي مع خلايا المقاومة الصاعدة هناك. وقال الرجوب في حديث إلى «إذاعة الجيش الإسرائيلي»: «يجب إعطاء الأجهزة الأمنية الفلسطينية فرصة للعمل، وعدم الاقتحام ليلاً ونهاراً وهدم البيوت وقتل الناس، ثم تطلبون منهم العمل. وفي مطلع تشرين الأول 2022، وصف محافظ نابلس، إبراهيم رمضان، أمهات الشهداء بـ«الشاذات»، وقال في تصريح إلى إذاعة «النجاح» المحلية: «الأم هي مَنْ تظهر الحنان والعطف، لكن هنالك أمهات شاذات ترسل أبناءها للانتحار، وتُظهر للآخرين أنها (المناضلة). هذه ليست أمّاً».
معظم المحافظين المقالين مقرّبون من جهاز الأمن الوقائي ويحسبون على القيادي جبريل الرجوب

آنذاك، ردّت جماعة «عرين الأسود» على تصريحات رمضان ببيان صحافي طالبته فيه بالاستقالة بقولها: «استقل واحفظ ماء وجهك وما قدّمته من سنوات في سجون الاحتلال، فكل شيء في هذا البلد مؤقت. الشهداء والأسرى وأمهات الشهداء دائمون، والباقي وهم وسراب». بدوره، كان محافظ أريحا، جهاد أبو العسل، أكثر ظرافة من سابقيه، حينما رد على مذيعة قناة «الجزيرة»، التي سألته عن موقف السلطة من الاجتياح الإسرائيلي لمحافظة أريحا ومخيم عقبة جبر، في مطلع شهر شباط من العام الجاري، بالقول بكل ثقة: «حتى لو ما كان عنا مقدرة فأضعف الإيمان نسبّ عليهم». أما محافظ الخليل، جبرين البكري، فارتبط اسمه بجريمة اغتيال الناشط السياسي نزار بنات، فيما تكرّر في مواقع التواصل الاجتماعي تداول صور له تظهره وهو يتنزه ويتناول البوظة في شوارع مدينة تل أبيب.
على أن مآخذ الشارع على محافظي الضفة، لم تكُن حاضرة في حالة محافظي القطاع، الذين فرض عليهم واقع الانقسام دوراً محدوداً، اقتصر على حضور المهرجانات وتنظيم الزيارات الاجتماعية للأفراح وبيوت العزاء. ولذا، وجد كثير من المعلقين على قرار الإقالة الجماعي، أن المستهدَف به محافظو الضفة، وأن أمثالهم في غزة ذهبوا مع الموجة.

ضخّ دماء جديدة
إلى جانب أن أكثر المحافظين المقالين تجاوزوا سن التقاعد القانونية، وحظوا بالتجديد مرات عدة، اعتبرت مصادر في السلطة الفلسطينية أن خطوة الإقالة هدفها ضخّ دماء جديدة في أوردة السلطة. إذ رأى عضو المجلس الثوري في حركة «فتح»، محمد اللحام، أن «المؤسسات العامة في معظمها أصابها التكلس، وفي حاجة إلى ضخ دماء جديدة شابة»، معتبراً أن الوضع الداخلي الفلسطيني يتطلّب «التغيير لرفع الهمّة، واستنهاض الوضع، ومعالجة كثير من التجاوزات في المجتمع الفلسطيني». لكن مصادر مطلعة في حركة «فتح» أعربت عن اعتقادها بأن الاعتراضات الشعبية على أداء المحافظين السيئ، ليست سوى مبرّر لتمرير هذا التغيير الكبير، لافتةً، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «معظم المحافظين المقالين مقرّبون من جهاز الأمن الوقائي، ويحسبون على القيادي جبريل الرجوب»، وأنه «يمكن التقدير أن هذه الخطوة جاءت في سياق التنافس الداخلي بين أقطاب السلطة، وأن الدافع الأول لتمرير قرار كهذا، في توقيت بالغ الحساسية، هو رئيس جهاز المخابرات الفلسطيني، ماجد فرج، الذي سيضع كل ثقله في تنسيب محافظين جدد، يدينون بالولاء لجهاز المخابرات العامة الذي يترأسه شخصياً».
أما الباحث السياسي مجد ضرغام، فرأى أن المحافظين المقالين استُهلكوا وظيفياً، وقد راكموا في خلال مسيرتهم الطويلة قدراً كبيراً من الأخطاء والسلوكيات السيئة، مقابل قدر محدود من الإنجازات. وأعرب ضرغام، في حديثه إلى «الأخبار»، عن اعتقاده بأن «السلطة تريد أن تبدّل جلدها ظاهرياً، من دون أن تغير سياستها الجوهرية، المتمثّلة في المحافظة على الخيار السياسي للسلطة، المعارض لأيّ برنامج مقاوم، وبالتالي الاستمرار في دورها الأمني في ملاحقة خلايا المقاومة ومحاولة تقويضها». وأضاف ضرغام أن «اللجنة التي أُعلن عن استحداثها لانتقاء محافظين جدد، ستحرص من ناحية الشكل العام على انتقاء شخصيات تجمع بين الحضور الأكاديمي والخلفية الأمنية والسجل الخالي من الانتقادات الشعبية، للإيحاء للشارع والمانحين على حدٍّ سواء، ببدء صفحة جديدة تزيد من حضور السلطة شعبياً ودولياً».
وجدير بالذكر أن عبد الإله الأتيرة، وهو مستشار رئيس الحكومة محمد اشتية، كان كشف، في تصريحات صحافية، عن تجهيز قائمة بتغييرات واسعة ستطاول سفراء ووزراء بالإضافة إلى إعادة تشكيل الحكومة، فيما تحدثت مصادر صحافية عن تصاعد الخلافات بين اشتية وعباس، بعد تعمُّد الأخير تهميش الأول، وعدم اصطحابه إياه أخيراً إلى اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في منتجع العلمين في مصر.