كانت السلطة الفلسطينية ولا تزال واحداً من الأقطاب المشتركة في تعميق أزمات قطاع غزة؛ إذ لعبت منذ أحداث الانقسام في عام 2007، دوراً محورياً في عرقلة أيّ فرصة يمكن من خلالها حلّ أيّ من الأزمات الحسّاسة في القطاع، كما أنها اعترضت على أيّ دور تقوم به الأطراف الإقليمية، من شأنه أن يخفّف من الضغوط على الغزيّين. هذا التوجّه بدا أنه سياسة مدروسة، وهو ما لم يخْفه عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، محمد اشتية - قبل أن يتولّى منصب رئاسة الوزراء -، عندما اعترض، في مقابلة تلفزيونية مطلع حزيران 2017، على التسهيلات التي تقدّمها السلطات المصرية للقطاع، والتي أعقبت تفاهمات توصّلت إليها القاهرة مع حركة «حماس»، وأفضت حينها إلى إدخال الوقود المصري إلى غزة، ومجموعة من البضائع التموينية ومواد البناء. وجاءت تلك التفاهمات بعد مدّة قليلة من فرض السلطة ما سمّته «الإجراءات العقابية» التي أملت من خلالها إعادة القطاع إلى حضن «الشرعية»، وتمثّلت في تقليص هامش التحويلات الطبية، واقتطاع 30% من رواتب موظفي رام الله في غزة، وإحالة الآلاف إلى التقاعد الإجباري المبكر، أو التقاعد المالي. وقال اشتية آنذاك: «لا نريد أن يتمّ تنفيس إجراءاتنا بحق القطاع»، مطالباً بأن يكون «أيّ إجراء تتّخذه مصر يخصّ غزة بالتنسيق مع القيادة الفلسطينية، حتى لا نجدّف في اتجاهَين» متغايرَين.وفي الثامن من آب الجاري، اتّهم رئيس العلاقات الدولية في حركة «حماس»، موسى أبو مرزوق، في مقابلة تلفزيونية، السلطة بأنها «تتعمّد إثارة المشكلات في القطاع»، كاشفاً أن «الحكومة في رام الله رفضت في عام 2012 مشروعاً لإنشاء محطة توليد كهرباء بتكلفة 100 مليون دولار». وقال أبو مرزوق: «نحن نعرف أن المشكلات سياسية، وللأسف الشديد دعوني أخبركم بشيء لم أخبركم به من قبل، لقد وقفت السلطة في وجهنا عندما أردنا حلّ المشكلات. ففي عام 2012، جئنا بمشروع محطة كهرباء جديدة من البنك الإسلامي للتنمية، بأكثر من 100 مليون دولار، وطُلب من مصر الموافقة على المشروع لأن شرط البنك أن تُبنى في رفح سيناء، لتجنّب ضرب إسرائيل للمحطة، وافقت مصر لكنها اشترطت موافقة السلطة، ولم توافق السلطة في هذا الوقت على المشروع. نحن الآن متفقون على خطّ للغاز ووافقنا على ذلك، وقطر مستعدّة لتمويل المحطة الحالية بالغاز، لكن السلطة هي المعيق، لأن المحطّة تنتج الآن 110 كيلو واط، وإذا ما تمّ تحويلها إلى الغاز فإنها ستنتج 450 كيلو واط». وأضاف: «مشكلاتنا سهلة الحلّ، لكن مشكلة الانقسام تجعل السلطة تعترض على كلّ حل لغزة».
أيّ هدوء واستقرار في القطاع، الذي تحكمه حركة «حماس»، يُعتبر فشلاً للسلطة في الضفة الغربية المحتلّة


على خطّ موازٍ، يفيد مصدر أمني تحدّثت معه «الأخبار»، بأنه، ومنذ عام 2007، كشفت الأجهزة الأمنية في غزة، عشرات المخطّطات التي هدفت إلى إثارة الإشكاليات في القطاع، من مثل، خلايا مسلّحة حاولت تنفيذ تفجيرات، أو عمليات اغتيال، و«من ذلك المخطّط الذي تمكّنت من إحباطه في عام 2015، حينما قبضت على خلية، خطّطت لتفجير سيارات مفخّخة في مناطق حيوية عدة من القطاع». ويضيف المصدر أنه «في 2015، جنّد لواء في جهاز المخابرات العامة، أحد النشطاء السابقين في خلايا المقاومة، والذي يمتلك خبرة في مجال صناعة المتفجرات، وطلب منه زرع سيارة مفخّخة في ميدان الشجاعية. وفي عام 2017، جنّدت جهات خارجية انتحاريَين أقدما على تفجير نفسيهما في وحدات شرطة المرور، ما تسبّب باستشهاد ثلاثة رجال من الشرطة».
من وجهة نظر سياسية، فإن أيّ هدوء واستقرار في القطاع، الذي تحكمه حركة «حماس»، يُعتبر فشلاً للسلطة في الضفة الغربية المحتلّة، كما يرى المحلّل السياسي، إسماعيل محمد، مضيفاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «رام الله حاولت ولا تزال تأليب الشارع ضد حماس، وتأمّلت أن يتسبب الضغط المعيشي في مضاعفة حالة السخط، لينفجر أخيراً على شكل تظاهرات وصدام دموي مع الأجهزة الأمنية التابعة للحركة». ومن هنا، يَعتبر أن «الخنق الاقتصادي، من خلال حرمان غزة من الوظائف، وتقليص المبالغ التي تصرفها السلطة على موظفي القطاع، هو سياسة مفهومة وواضحة، ولا يمكن أن نتوقّع أن تتصرّف رام الله على نحو يغاير هذا السياق»، متابعاً أن «المشكلة في هذه المعادلة، أن مطالب الناس المحقّة في العادة، تصبح غطاءً لمخطّطات لا يمكن فهمها إلّا في سياق التنافس وتسجيل النقاط بين فتح وحماس، فيما الضحية دائماً هم الفقراء والمسحوقون».