مع تحسّن العلاقات بين حركة «حماس» والمصريين بعد عامَي 2017 و2021، تلقّى الفلسطينيون عشرات الوعود المصرية بتحسين الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، إلّا أن هذه الوعود كانت تطير دائماً مع الرياح بعد أيام من التوصّل إليها، من دون اتّضاح الأسباب. وبحسب ما علمته «الأخبار» من مصادر «حمساوية»، فإن الوعد بتسهيل دخول البضائع بمختلف أنواعها من مصر إلى غزة، من دون فرض ضرائب كبيرة عليها، لم يُترجم إلّا بشكل جزئي، وفي أغلب الأحيان وسط إلحاح واتّصالات مكثفة تجريها الحركة مع المسؤولين المصريين. وفي تفسيرهم لذلك، يعتقد مراقبون فلسطينيون أن الوعود المصرية تخضع في النهاية لتفاهمات بين القاهرة وتل أبيب، التي تسعى دائماً إلى تحديد سقف لما يُسمح بدخوله إلى القطاع، بما يؤدي إلى المحافظة على مستوى الحصار الإسرائيلي.وبحسب مصادر اقتصادية في غزة، فقد بلغت قيمة البضائع التي تدخل من مصر إلى القطاع شهرياً قرابة 10 ملايين دولار، وهو سقف أدنى بكثير من تطلّعات الفلسطينيين الذين توقّعوا إدخال ما مقداره نصف البضائع التي كانت تدخل عبر معبر كرم أبو سالم مع الاحتلال قادمةً من مصر، وتُقدَّر قيمتها شهرياً بـ 70 مليون دولار. وقبل شهرَين، تلقّت «حماس» وعوداً مصرية بتحسينات كبيرة، والسماح بإدخال مزيد من المواد إلى غزة بما في ذلك السيارات، وزيادة حجم التصدير الفلسطيني عبر مصر، إلّا أن هذا الأمر لم ينفّذ حتى اليوم، فيما يبرّر المصريون التأخير بأنهم بصدد إتمام الإجراءات والموافقات للبدء بإنفاذ التحسينات. وتناولت اجتماعات الحركة مع المخابرات المصرية، وقتذاك، الوضعَين الاقتصادي والإنساني في القطاع، وسبل تنفيذ التفاهمات المبرمة خلال الفترة الماضية. وقد توصّلت المباحثات، بالفعل، إلى حلول - ظلّت لفظيّة، كما تَبيّن في ما بعد - لبعضٍ من تلك الملفّات، بعد محاولة رئيس حكومة رام الله، محمد اشتية، عرقلة هذه الحلول خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، تحت ذريعة أن إدخال البضائع من مصر يضرّ بإيرادات السلطة الفلسطينية التي تجبي ضرائب عن البضائع التي تمرّ عبر معبر كرم أبو سالم إلى القطاع. أيضاً، حاولت السلطة الفلسطينية عرقلة إدخال مئات السيارات لمصلحة عدد من التجار في غزة، فيما طلبت من المصريين وقف أيّ عملية تصدير للبضائع من القطاع، وخاصة تصدير الحديد والبطاريات التالفة، بحسب ما نقلته «الأخبار» حينها عن مصادر مطّلعة.
انتقدت «حماس»، عدّة مرّات، التلكّؤ المصري في تحسين الوضع الاقتصادي في غزة


وانتقدت «حماس»، عدّة مرّات، التلكّؤ المصري في تحسين الوضع الاقتصادي في غزة، أبرزها بعد ستة أشهر من معركة «سيف القدس» عام 2021، حيث تَبيّن أن الوعود التي قطعتها القاهرة للحركة، أثناء مفاوضات وقف المعركة المذكورة، بتحسينات اقتصادية كبيرة، لم تترجَم، وهو ما أثار استياءً «حمساوياً» شديداً. وحتى اليوم، أنشأت مصر ثلاثة تجمّعات سكنية في القطاع، فيما يُتوقّع أن ينتهي إتمامها خلال العام المقبل، إلّا أنها لا تزال تفرض ضرائب كبيرة على البضائع التي تدخل إلى غزة، حتى تقلّل على ما يبدو هامش الربح المتاح للحكومة في القطاع، وفق ما ترى أوساط حكومية. وفي هذا الإطار، يشير وكيل وزارة المالية في غزة، عوني الباشا، إلى أن أحد أسباب الأزمة المالية الخانقة التي تمرّ بها الحكومة في القطاع، تراجع العائدات من الواردات عبر مصر، مضيفاً إن ارتفاع أسعار الوقود المصري أثّر على قدرة وزارته على دفع الرواتب للموظفين.
وتقدّر الجهات الحكومية في غزة حجم الواردات من مصر بعد معركة «سيف القدس» بنحو 40% من إجمالي الواردات، مقارنة بـ 17% قبل سنوات. كما تُسجّل تحسّن الصادرات عبر المعابر التجارية لتصبح 48%، مقارنة بنسبة 42% في السنوات السابقة، فيما لا تزال الإجراءات المصرية تحول دون ازدياد هذه النسبة في ظلّ ارتفاع الضرائب وتأخير وصول البضائع من ناحية مصر. ويفسَّر التحسّن المشار إليه بالتسهيلات التي جرى تقديمها في أعقاب عدوان 2021، بهدف التخفيف من حدّة الحصار المفروض منذ عام 2006، والذي ينعكس سلباً على الإيرادات الحكومية، ويقلّص حجم الرواتب المدفوعة لأكثر من 40 ألف موظّف محسوبين على الحكومة التي تديرها «حماس». وعلى رغم الانفتاح الفلسطيني على التجارة مع مصر، فإن الكثير من السلع لا تزال ضمن «قوائم المنع»، حيث يحظر الاحتلال الإسرائيلي إدخالها إلى القطاع بمزاعم الخشية من استخدام المقاومة الفلسطينية لها في عملية تطوير قدراتها العسكرية والصاروخية، ويضع اشتراطات في تفاهماته الأمنية مع مصر حول ذلك.