في مواجهة الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 17 عاماً، لم تحقّق «لجنة متابعة العمل الحكومي» في القطاع، لأسباب كثيرة بعضها مرتبط بضآلة الإمكانات وبعضها الآخر بالترهّل الحكومي والإداري، أيّ اختراق يُذكر في معالجة أبرز أزمات القطاع، والتي تزداد في كلّ عام تعقيداً، إذ بقيت مشكلة الكهرباء صاعقاً يهدّد سنوياً بالانفجار وخصوصاً في ذروة فصلَي الشتاء والصيف، فيما يصطدم عشرات الآلاف من الخرّيجين سنوياً بجدار البطالة، في ظلّ تشبّع سوق العمل بمختلف التخصّصات الجامعية، ويبقى الموظفون الحكوميون في حال يُرثى لها.
لا حلّ للكهرباء
في نهاية تموز الماضي، تداعى المئات من المواطنين، للنزول إلى الشارع، احتجاجاً على الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي في فصل الصيف الحار. إذ تصل كهرباء شركة التوزيع إلى منازل المواطنين بواقع 6 ساعات في مقابل 6 ساعات قطع. وأمام تردّي الخدمة، لم تتوقّف مساعي الشركة في محاولات مضاعفة قدراتها على الجباية، إذ شرعت في تنفيذ مشروع العدّادات الذكية مسبقة الدفع، والتي تجبر المواطنين على دفع استهلاكهم من الكهرباء سلفاً. وفيما يعيش نحو 81.8% من سكان القطاع تحت خطّ الفقر، وفقاً لإحصائيات «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، تسبّبت محاولة شركة الكهرباء تركيب عداد مسبق الدفع للمسنّ عطايا بركة (83 عاماً)، بوفاته إثر ارتفاع ضغطه وسقوطه على الأرض، في أعقاب قطع التيار الكهربائي عن منزله. مقابل ذلك، ظلّت طريقة الجهات المختصة في معالجة الأزمة على حالها؛ فبعدما وصل غليان الشارع إلى حدّ الصدام مع الأجهزة الأمنية، لجأت الجهات الحكومية إلى المانحين الخارجيين للخروج من المأزق، بإعلان سلطة الطاقة، في خضمّ التظاهرات، تشغيل المولد الرابع في محطة الكهرباء، منذ مطلع آب الجاري وحتى مطلع أيلول المقبل، بتمويل من قطر. على أن تشغيل هذا المولد بإنتاجية 35 ميجا، زاد مجمل ما يتمّ إنتاجه إلى 135 ميجا، ما يعني بقاء مشكلة احتياجات غزة الكلّية البالغة 550 ميجا، وإنْ مع رفع ساعات الوصول إلى 8. ويعتقد رئيس اللجنة الفنية لأصحاب المولدات الكهربائية، محمد الزنط، في تصريحات صحافية، أن هناك سوءاً في إدارة كميات الكهرباء المتوفرة في القطاع؛ إذ «تتعامل معها شركة توزيع الكهرباء بنحو تجاري، وتحرص على بيع الفائض للمشاريع التجارية مثل المصانع والمطاعم بثلاثة أضعاف السعر الذي تجيبه من المواطنين». ويعتبر الزنط أنه «إذا قرّرت شركة التوزيع إدارة الكميات المتوفرة بشكل عادل وحكيم، فإن بمقدورها أن توفّر الكهرباء للمواطنين 19 ساعة يومياً، ما بين كهرباء بكامل الطاقة، و2 أمبير مخصصة للإنارة والمراوح». ويلفت إلى أن «ثمّة تفاهماً تجارياً بين شركة الكهرباء و بعض أصحاب المولدات، قائم على أن توفّر الشركة خطّ كهرباء 24 ساعة، تأخذ ثمنه 1.5 من أصحاب المولدات الذين يبيعونه للمواطنين بـ4 شواكل».
لم يتقاضَ نحو 40 ألفاً من موظفي القطاع أكثر من 60% من رواتبهم منذ عام 2013


ربع مليون عاطل عن العمل
آخر الإحصائيات الرسمية أشارت إلى ارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة إلى نحو 45%، منها 74% في صفوف الشباب، وهو ما يرجعه الخبير في الشأن الاقتصادي، محمد أبو جياب، إلى «محدودية الفرص في الوظائف الحكومية، وتشبّع سوق العمل الخاص، في مقابل الفيض السنوي الهائل من الخرّيجين»، موضحاً أن «الجامعات المحلّية تُخرّج أكثر من 15 ألفاً سنوياً من مختلف التخصّصات، فيما لا تتجاوز حاجة المؤسسات الحكومية أكثر من 500 وظيفة سنوياً». ووفقاً لإحصائية «مركز الإحصاء الرسمي»، فإن نسبة البطالة في أوساط الشباب الخرّيجين في فلسطين، بلغت 48% في عام 2022، بواقع 28% في الضفة الغربية، و74% في قطاع غزة، في حين كان هذا المعدّل نحو 53% في عام 2021، بواقع 35% في الضفة و74% في غزة. ويشير أبو جياب، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «عدد العاطلين من العمل في القطاع وصل إلى 250 ألفاً»، مضيفاً أن «كلّ المجالات متشبّعة، والعمل في المؤسسات التجارية المحلية لا يوفّر الحدّ الأدنى من الأجور، فضلاً عن أن الحصول على وظيفة في المؤسسات المحلية، أقرب إلى أُمنية بحدّ ذاته».

الوظيفة بدلاً من التسول
أمّا الموظّفون الحكوميون، فليسوا بأحسن حالاً، إذ لم يتقاضَ نحو 40 ألفاً من موظفي القطاع أكثر من 60% من رواتبهم منذ عام 2013. يقول الموظف الحكومي، هاني أبو أحمد: «لم أتلقَّ راتبي كاملاً إلّا عاماً واحداً، وبعد عام من التوظيف، تلقّينا 40% من الراتب تُصرف كلّ 50 يوماً مرّة. استمرّينا على هذا الحال لنحو 4 سنوات، فيما أكبر نسبة حصلنا عليها هي 60% من الراتب (...) هذا الراتب يكفي فقط للمأكل والمشرب، المناسبات الاجتماعية مشكلة كبيرة، مواسم الأعياد والتجهّز للمدارس، مشكلة أكبر، إذا مرض أحد أولادي وأحتاج إلى طبيب أو دواء، يهتزّ الميزان الاقتصادي للشهر بشكل كامل. الموظفون فقراء، بقناع الوظيفة». أمّا الموظف في قطاع التعليم، بلال رمضان، فيقول، لـ«الأخبار»: «تزوّجت بعد عام من التحاقي بالوظيفة الحكومية، ومنذ ذلك الحين قبل 7 سنوات، أدفع نصف راتبي للدائنين، وأنا بحاجة إلى 5 سنوات أخرى للانتهاء من الديون. بإمكانك أن تتخيّل أنّني أعيش على أقلّ من 150 دولاراً في الشهر (...) كامل الراتب لا يكفي للعيش بأدنى مستويات الحياة في غزة، فما بالك بربعه؟».
وبالنسبة إلى موظفي السلطة، فقد أدخلتهم الإجراءات العقابية التي فرضتها الأخيرة على القطاع في عام 2017 في نفق من الأزمات المالية. آنذاك، قلّصت وزارة المالية في رام الله رواتب نحو 50 ألف موظف حكومي في غزة يتبعون لها، إلى 70% من الراتب الأساسي، كما أحالت الآلاف إلى التقاعد الإجباري المبكر، وآخرين إلى التقاعد المالي، فضلاً عن قطع رواتب أكثر من 1000 آخرين، على رغم ارتباط الكثيرين منهم بقروض طويلة الأمد، تستحوذ على نحو ربع رواتبهم الكاملة. يقول الموظف الحكومي، خالد أبو رامي، إن «كلّ الموظفين الحكوميين مرتبطون بقروض، لأجل إنجاز مشروع بناء أو تزويج ابن، أو دراسة، أو علاج. وفي ظلّ الوضع الحالي للرواتب، يعيش أكثر الموظفين الحكوميين تحت خطّ الفقر».