انتهت تسعة أشهر قضاها المواطن تيسير شلايل، وهو ينتظر الحصول على «تحويلة» للعلاج في مستشفيات الداخل المحتلّ، بالوفاة. الرجل الخمسيني كان قد اكتشف، في مطلع كانون الثاني من العام الماضي، إصابته بسرطان في الكليتين. ومذّاك، لم تترك عائلته باباً إلّا وطرقته، لتحصيل «تحويلة» علاج في مستشفيات الضفة الغربية أو الداخل المحتلّ. يقول زميله حسن الشيخ: «حصلنا على كلّ التقارير الطبّية التي كشفت خطورة وضعه. تواصلنا مع مختلف الجهات الحكومية، لكن سلطات الاحتلال ماطلت، واستمرّت في المماطلة شهراً بعد آخر، ما أجبرنا على تقديمه للعلاج في مستشفيات القطاع، محدودة الإمكانات والخبرة في التعاطي مع هذا المرض. وفيما كانت حالته تتراجع على نحو سريع، ويتفشّى المرض في مناطق جسمه كافة، وصلنا إلى مرحلة من عدم جدوى أيّ علاج، وصرنا وعائلته وأولاده، ننتظر رحمة الله به». شلايل، هو واحد من أكثر من 6796 حالة مرضية في القطاع، رفضت سلطات الاحتلال السماح لأصحابها بالعلاج في مستشفيات الضفة والداخل. ووفقاً للباحث في «المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان»، فضل المزيني، فإنه منذ عام 2008 وحتى عام 2022، تسبّبت السياسات الإسرائيلية حيال مرضى القطاع، بوفاة أكثر من 848 مريضاً؛ إذ رفضت سلطات العدو، خلال العام الماضي، سفر 7 آلاف مريض، بذريعة «المنع الأمني» أو «قيد الدراسة»، من أصل 16500 طلب للعلاج. كذلك، رفض الاحتلال سفر مرافقي المرضى ما زاد من معاناة هؤلاء. وبالإجمال، بلغت نسبة رفض الطلبات 62%، كما بلغ عدد المرضى الذين طُلبت منهم مقابلة مخابرات العدو 225، فيما جرت الموافقة على سفر 24 مريضاً فقط.
أمّا الحال في مستشفيات القطاع الحكومية، فتبدو أكثر سوداوية؛ إذ يقع المرضى ضحية الازدحام الشديد في جداول العمليات الجراحية، فضلاً عن العطل المستمرّ في أجهزة طبّية حسّاسة مثل أجهزة الأشعة والرنين المغناطيسي وعمليات القسطرة. يقول المريض عبد الغفار عمر: «أصبتُ بكسر في كتفي، ونُقلت إلى المستشفى وأنا في حالة صحّية صعبة للغاية. اضطررتُ للانتظار طويلاً لأتمكّن من إجراء صورة أشعة، بسبب الازدحام الشديد في المستشفى. وبعد تشخيص حالتي، أجّلت عملية إعادة وضعية الكتف ليومين، بسبب انشغال الطاقم الطبي بعمليات أكثر خطورة». ويضيف الشابّ الثلاثيني، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «يوجد في المستشفى المئات من المرضى، وعدد محدود من الأطباء، وعدد أقلّ من الأجهزة الطبية، وليس بوسع أيٍّ من مواطني القطاع، اللجوء إلى العلاج في المستشفيات الخاصة، لأن مبيت ليلة واحدة قد تتجاوز تكلفته مع ما يرافقها من صور أشعة وعمليات صغرى، دخْلنا في شهر كامل».
مستشفيات غزة تعاني أساساً تهالكاً شبه كلّي للأجهزة الطبّية المتوفّرة فيها عموماً


وبحسب محمد مطر، وهو مدير دائرة الأشعة في «مجمع الشفاء الطبي»، فإن المستشفيات الحكومية عموماً تعاني ضغطاً كبيراً في العمل؛ إذ تستقبل «الشفاء» مثلاً، بشكل يومي، نحو 1000 حالة أشعة عادية، و100 حالة أشعة مقطعية، و45 حالة رنين مغناطيسي. ويبيّن مطر أن «هذا الضغط الكبير يتسبّب بتعطّل الأجهزة الطبّية بشكل مستمرّ، علماً أن أيّ خلل يمكن معالجته في غضون 48 ساعة في مستشفيات الخارج، يتطلّب في القطاع عدّة أشهر، وهو ما حدث تماماً عندما توقف جهاز الرنين المغناطيسي و(اضطررنا) للانتظار تسعة أشهر لإصلاحه، بسبب رفض الاحتلال إدخال معدّات الصيانة، مع التذكير بأنه لا يوجد في القطاع سوى جهازين اثنين، واحد في الشفاء، والآخر في المستشفى الأوروبي، وهو نسخة قديمة، ويعمل بكفاءة متدنّية جدّاً».
وممّا يزيد الطين بِلة، أن مستشفيات غزة تعاني أساساً تهالكاً شبه كلّي للأجهزة الطبّية المتوفّرة فيها عموماً. يقول محمود عمر، وهو فنّي أشعة، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «نحو 50% من الأجهزة الطبّية، وتحديداً أجهزة الأشعة، استُهلكت تماماً، وهي على حالها منذ 20 عاماً، فيما تقادُم هذه الأجهزة يتسبّب بضعف في دقة الصورة وبالتالي خطأ في التشخيص الطبي». ووفقاً لإبراهيم عباس، وهو مدير وحدة التصوير الطبّي في وزارة الصحة، فإن أقسام الأشعة في المستشفيات الحكومية تستقبل نحو 600 ألف حالة سنوياً، ما يجعل هذه الأقسام بحاجة إلى تطوير وتحديث مستمرَّين، حتى تتمكّن من تقديم الخدمة للأعداد الكبيرة من المرضى.
جدير بالذكر أن مؤسّسات حقوق الإنسان كانت قد تقدّمت بشكاوى عدّة لدى محاكم الاحتلال، ومن بينها «مؤسسة الميزان لحقوق الإنسان» التي توجّهت إلى المقرّرين الخاصين بالصحة في الأمم المتحدة، من أجل الضغط على سلطات العدو، للالتزام بالرأي الاستشاري لـ«محكمة العدل الدولية» الصادر في عام 2004، والذي يلزم الاحتلال بتوفير الرعاية الصحية لسكان القطاع، وأيضاً السماح بإدخال المعدّات الطبية، وفتح المجال أمام الحالات المرضية الصعبة للعلاج خارج غزة، لكن الاستجابة لم تكن بالمستوى المطلوب.