على مدار 17 عاماً، أدار الاحتلال حالة الحصار على قطاع غزة بشكل متدرّج، على قاعدة «إبقاء الرأس فوق الماء»، الأمر الذي أدّى إلى إلحاق أضرار كبيرة بالاقتصاد الغزّي، حالت دون نموّه، وحوّلته إلى اقتصاد قائم على الإعانات الخارجية، من دون وجود أيّ أفق للمشاريع المحلّية، بما فيها تلك الصغيرة. وخلال السنوات الماضية، حاول الغزيون التعايش مع هذه الحالة، وإيجاد حلول تمكّنهم من تجاوز الأزمات المتتالية عليهم، لكن شدّة الحصار، ومعها سوء الإدارة، أدّيا، بحسب مراقبين، إلى تهشيم المشاريع الناشئة، وإفشال محاولات الكثير من المواطنين اللجوء إلى القطاع الخاص عبر الاقتراض أو استثمار المقدّرات التي جمعوها على مدار سنوات.وعلى الرغم من وجود الكثير من مبادرات الدعم الدولي والمحلّي للمشاريع الصغيرة، إلّا أن هذه الأخيرة، التي يبادر إليها الشبّان هرباً من البطالة المتفشّية، كانت الأكثر تضرّراً، وذلك نتيجة تردّي الوضع الاقتصادي وانعدام القدرة الشرائية للعائلات التي باتت تعتمد على الرواتب الحكومية والمعونات والمِنح الدولية والعربية. وفي غالب الأحيان، يضطرّ الكثير من المواطنين إلى بيع بعض ممتلكاتهم ومقدّراتهم، أو اللجوء إلى مؤسسات الإقراض لتمويل تلك المشاريع، لكنهم يواجهون صعوبة في الاستمرار بسبب البيئة الاقتصادية والمتدهورة، والعشوائية في التنفيذ، الأمر الذي يحوّل مبادراتهم إلى عبء جديد على كاهلهم، لما يتكبّدونه من خسائر وديون، وصولاً إلى ملاحقة الكثيرين منهم قضائياً والزجّ بهم في السجون.
ويعزو المحلل الاقتصادي، أمين أبو عيشة، فشل المشاريع الصغيرة إلى أن «البيئة في قطاع غزة غير مستقرّة سياسياً واقتصادياً، إضافة إلى النقص في السيولة، والإجراءات الحكومية التي تفرض ضرائب على هذه المشاريع». ويلفت أبو عيشة، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الحصول على السيولة النقدية من البنوك عملية صعبة - بعكس دول العالم التي تدعم مثل هذه المشاريع -، نظراً إلى كثرة الشروط المطلوبة، والحاجة إلى كفلاء، وارتفاع قيمة الفائدة على القروض»، معتبراً أن «الحكومة يقع عليها جزء من المسؤولية في فشل أيّ مشروع صغير، ولا سيما وزارتَي الاقتصاد والعمل، بسبب عدم وجود الدعم اللازم لأصحاب المشاريع الصغيرة، بل بدلاً من ذلك، فإنها تقوم بفرض الضرائب عليهم، و تتعامل وكأنها شريكة لهم، ناهيك عن غياب اللوائح و القوانين، ما يجعل احتمالات الفشل في أيّ مشروع أكبر من احتمالات النجاح».
من جهته، يعتقد أستاذ الاقتصاد في «جامعة الأزهر» في غزة، كمال الأسطل، في تقرير على موقعه الإلكتروني الخاص، أن «الحرية شبه المطلقة للاستيراد من السوق الإسرائيلية، وأحياناً بالأساليب غير المشروعة التي تواجهها منتجات المشروعات الصغيرة مثل الإغراق والتهرّب من الضرائب وتهريب المنتجات الفاسدة أو غير المطابقة للمواصفات إلى الأراضي الفلسطينية من دولة الاحتلال والمستوطنات، يؤدّي إلى إفشال تلك المشاريع». ويُضاف إلى ذلك تعدّد العراقيل المتعلّقة بالتمويل والتكاليف والتسويق والضرائب، ما يجعل أصحاب المشاريع يُمنَون بخسائر أكبر مما كانوا يتوقّعون.
أمّا وزارة الاقتصاد في القطاع، فتُرجع هذا الواقع إلى الحصار الإسرائيلي الذي أثّر على مناحي الحياة كافة، وأدّى إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وتضاؤل السيولة نتيجة اقتطاع جزء كبير من الإيرادات لصالح الضريبة التي تتمّ جبايتها من قِبل الاحتلال على المعابر، إضافة إلى تقليص السلطة رواتب الموظفين في غزة، وتقليص المِنح للمواطنين بما فيها المنحة القطرية أخيراً. وتشير الوزارة إلى أن القطاع الاقتصادي هو الأكثر تضرّراً بسبب الحروب الإسرائيلية على غزة، بالنظر إلى أن الداعمين لا يمنحون تعويضات لأصحاب المنشآت الاقتصادية، على الرغم من أن الأضرار اللاحقة بهؤلاء قد بلغت قرابة 6 مليارات دولار خلال الحروب الأربع التي شُنّت ضدّ القطاع.