رام الله | بات واضحاً أن جيش الاحتلال وضع، عقب معركة مخيم جنين، استراتيجية جديدة للتعامل مع حالة المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية المحتلّة، تعتمد على مسارات عدّة، أوّلها شنّ عمليات توغّل واغتيال وتكثيف عمليات الاعتقال؛ وثانيها، استهداف البنية التحتية للمواطنين كإحدى أدوات الضغط على المقاومة، وثالثها، إفساح المجال للأجهزة الأمنية الفلسطينية للعمل بشكل أكبر في شمال الضفة. وفي مواجهة تلك المسارات، التي باتت شبيهة بأسلوب «طنجرة الضغط»، تعيش المقاومة حالة تأهّب في ظلّ المساعي المستمرّة لاستنزافها وتجفيف مواردها. وفي هذا السياق، شهدت مدينة نابلس ليلة دموية، إثر عدوان واسع شنّه جيش الاحتلال على منطقتها الشرقية لتأمين اقتحام المستوطنين لقبر يوسف، وبالتوازي على مخيم بلاطة للّاجئين، والذي شهد اشتباكات مسلّحة عنيفة.وفي خلال العدوان، فجّر جنود العدو مقرّ حركة فتح في المخيم، وشقّة سكنية مملوكة لعائلة المطلوب عبد الله أبو شلال، ما تسبّب بأضرار في نحو 20 منزلاً ومحلّاً تجارياً في شارع السوق الذي يعدّ أكثر المناطق الحيوية في «بلاطة»، فضلاً عن تدمير عشرات السيارات التي كانت تقف أمام المنازل والمحال التجارية. ويعدّ عبد الله أبو شلال أبرز المقاومين في المخيم، وأحد قادة كتيبته المطلوبين للاحتلال الذي فشل في اعتقاله او اغتياله للمرّة الخامسة على التوالي. وكانت قوات الاحتلال دفعت بتعزيزات عسكرية إلى «بلاطة»، حيث جرى استهدافها بالعبوات الناسفة محلية الصنع، بينما أطلقت الأولى النار بشكل عشوائي وجنوني، ما أدّى إلى إصابة 8 شبان بالرصاص الحي، بينهم واحد في حال الخطر. وزعم المتحدّث باسم جيش العدو أن الأخير فجّر مختبراً للمتفجرات في المخيم كان يحتوي على 15 عبوة متفجّرة جاهزة للاستعمال، إضافة إلى تدمير مستودع كان يضمّ أسلحة ومواد قتالية ومتفجّرات، وهو الزعم الذي يتكرّر في كلّ مرّة يُشنّ فيها عدوان على «بلاطة»، على غرار ما جرى في أيّار الماضي، حين شنّ جيش الاحتلال عدواناً واسعاً على المخيم، أعلن في أعقابه تدمير مختبر يحوي متفجّرات شديدة الانفجار.
وسبق العدوان على «بلاطة» اقتحام واسع للمنطقة الشرقية في مدينة نابلس، ليل الثلاثاء - الأربعاء، شاركت فيه قرابة 30 آلية وجرافة عسكرية لتأمين اقتحامات المستوطنين لقبر يوسف، وهو ما دفع كلّ المقاومين إلى الاستنفار، قبل بدء اشتباك على أكثر من محور. كذلك، نفّذت «كتيبة بلاطة» عملية استهدفت فيها بشكل مباشر المستوطنين في أثناء صعودهم إلى الحافلات التي تقلّهم بالقرب من حاجز حوارة للدخول إلى نابلس، واشتبكت مع القوات المتواجدة هناك، قبل أن ينسحب مقاتلوها بإصابات طفيفة. وفي جنين، شهد محيط المخيم، فجر أمس، اشتباكات مسلّحة عنيفة بين «كتيبة جنين» وقوات الاحتلال عقب اقتحام الأخيرة حيّ الجابريات، حيث فجّر المقاومون عبوات ناسفة في الآليات العسكرية، التي انسحبت عقب اعتقالها 3 شبّان من الحي، توازياً مع اقتحام قوة أخرى بلدة برقين ومثلث الشهداء في المحافظة.
وعلى الرغم من التعقيدات الأمنية، يواصل المقاومون استهداف قوات الاحتلال والمستوطنين؛ إذ قبل أن تستهدف «كتيبة بلاطة» المستوطنين وقوات الاحتلال قرب حوارة، أعلنت «كتيبة يعبد الضياء» استهداف مستوطنة «شاكيد» قرب جنين بعملية إطلاق نار الثلاثاء، بينما أعلنت «كتيبة العياش» في جنين إطلاق صاروخ من نوع «قسام 1» تجاه مستوطنة «شاكيد». ونشرت الكتيبة مقطعاً مصوّراً لمنصة تحمل صاروخاً قبيل إطلاقه على المستوطنة، مؤكدة أنه «على الرغم من الظروف الأمنية في الضفة، وقلّة الإمكانات والتضييقيات الأمنية الكبيرة، فإنها مستمرّة في طريقها»، بينما زعم جيش الاحتلال، بعد نشر الفيديو، أنه يحقّق في إطلاق الصاروخ، ليعود ويدعي أن هذا الأخير انفجر في مكانه ولم يتمّ إطلاقه، وإن كان أقرّ برصد 6 محاولات لإطلاق صواريخ من جنين تجاه المستوطنات في خلال 3 أشهر، وهو ما يعني بصورة أخرى فشله أمنياً واستخباراتياً في مواجهة هذا الجهد المقاوم والمستمرّ.
ويبدو أن إصرار المقاومين في جنين على إنجاح تجربة إطلاق الصواريخ صوب المستوطنات، بدأ يُقلق المستويات الأمنية الإسرائيلية بشكل أكبر، كونه يُعدّ تطوّراً لافتاً في عمل المقاومة، من شأنه أن يغيّر المعادلة العسكرية في الضفة. وتعقيباً على استمرار تلك المحاولات، علّق مسؤول أمني في حكومة الاحتلال، في حديث إلى قناة «ريشت كان» العبرية، بأن «إسرائيل لن تسمح بتحويل شمال الضفة الغربية، إلى غزة ثانية»، مضيفاً «(أنّنا) لن نسمح بأن تكون هناك أيّ أسلحة أو صواريخ بعيدة المدى في شمال الضفة الغربية». وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، بدورها، أن «المنظومة الأمنية في إسرائيل تدرك، منذ سنوات، أن إطلاق الصواريخ من الضفة يعدّ هدفاً رئيساً للفصائل الفلسطينية، وأن أحد أسباب العملية العسكرية في جنين في 3 تموز الماضي، كان محاولة حماس إطلاق صاروخ من شمال الضفة»، مضيفةً أن «قادة القيادة الوسطى في الجيش لا يستخفّون بالصواريخ البدائية الصنع».
ولا يتوقّف عمل المقاومة على تطوير قدراتها وإمكاناتها، بل يترافق ذلك مع استمرار تشكيل الخلايا العسكرية في الضفة، حيث كشف الاحتلال، في الأيام الماضية، عن خليّتَين إحداهما لحركة «حماس» والأخرى لـ«الجبهة الشعبية». وبحسب ما أعلنه جهاز «الشاباك»، الإثنين الماضي، فقد اعتُقل تسعة فلسطينيين، في خلال الشهر الفائت، بدعوى تشكيل «خلية عسكرية» تابعة لـ«حماس» في بلدة بدو شمال غرب القدس، كانت تخطّط لتنفيذ سلسلة عمليات في الضفة، منها عملية أسر جندي، وعمليات إطلاق نار، وتفجيرات، وقام عناصرها بتسليح أنفسهم وإعداد المتفجّرات والعبوات، وأجروا جولات لجمع المعلومات الاستخباراتية التمهيدية لتنفيذ عملياتهم، كما وجهّزوا مكاناً لإخفاء الجندي المختطف، وطريقًا للانسحاب بعد تنفيذ العملية. وأشار البيان إلى أن الاعتقال تمّ قبل وقت قصير من تنفيذ عملية الأسر، توازياً مع اعتقال فلسطينيين آخرين خطّطوا لشنّ هجمات ضدّ مستوطنين إسرائيليين، وذلك بتوجيه من أحد قادة «الجبهة الشعبية».
وبالتزامن مع المواجهة المفتوحة في الضفة، بات استمرار الأجهزة الأمنية الفلسطينية في ملاحقة المقاومين جزءاً من المشهد اليومي هناك. ووسّعت هذه الأجهزة من ملاحقاتها التي تتخلّلها مواجهات مع المواطنين كان آخرها فجر الأربعاء، حيث اندلعت مواجهات في مدينة طوباس إثر احتجاج المواطنين على اعتقال الأمن، الأسير المحرَّر أحمد أبو العايدة، وإطلاقهم شعارات ترفض «الاعتقال السياسي» و«ملاحقة المقاومين». ووثّقت مقاطع مصوَّرة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، رفْع المسلحين الأكفان احتجاجاً على اعتقال المطاردين والمقاومين، وقولهم في رسالة إلى الأجهزة الأمنية: «هي أكفاننا جاهزة، تعالوا اقتلونا بأيديكم».