يبدو أن عجلة المفاوضات في اليمن عادت لتتحرّك على مسارات عدّة، وفي وقت واحد: مسار الفريق العُماني، ومسار المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، ومسار المبعوث الأميركي تيم ليندركينغ. غير أن تلك التحرّكات لم تتجاوز إلى الآن سقف بنود الهدنة الحالية، فيما يبدو أن الهدف منها تدوير الهدنة القائمة فقط، لا الذهاب إلى هدنة موسّعة، تتمخّض عنها عملية انتقال شاملة إلى السلام لمدّة عام. وإذ تأتي هذه «الهجمة» الديبلوماسية بعد تصعيد صنعاء تهديداتها بشنّ عمليات واسعة، تستهدف منشآت سعودية وإماراتية، ولا تستثني أهدافاً أميركية في البحر الأحمر والجزر اليمنية، فلا يبدو أن الهدف منها فتح الباب أمام إنهاء الحرب بشكل جادّ وحقيقي. وممّا يدّل على ما تَقدّم، حديث المبعوث الأميركي، فور وصوله إلى الرياض أول من أمس، عن ضرورة وقف إطلاق النار وإطلاق الحوار في ما بين اليمنيين، في ما يمثّل تساوقاً مع السردية السعودية، التي دائماً ما تركّز على أن الحرب يمنية - يمنية، وليست حرباً يشنّها التحالف السعودي - الإماراتي، المدعوم أميركياً، ضدّ اليمن، وهذا هو محور الخلاف بين صنعاء والرياض.وفي الاتّجاه نفسه، ركّز المبعوث الأممي، في إحاطته أوّل من أمس أمام مجلس الأمن، على الجبهات المشتعلة في عدد من المناطق اليمنية. وعلى الرغم من أن الخروقات لم تتوقّف منذ اليوم الأول للهدنة، إلّا أن التركيز على هذه المسألة تحديداً، يبدو مجرّد محاولة للتأكيد أن الحرب إنّما هي مستعرة في الداخل اليمني، بما يخدم هو الآخر سعي السعودية للانسحاب من الملفّ اليمني بشكل تدريجي، والقيام بدور الوساطة في ما بين الأطراف اليمنيين. والظاهر أن صنعاء متنبّهة إلى محاولات الالتفاف تلك، وهو ما يدفعها إلى تكرار ضبط بوصلة المواجهة تجاه «التحالف»، والقوى الأجنبية المتواجدة في الأراضي اليمنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي بدت التهديدات الأخيرة الصادرة عن «أنصار الله» موجَّهةً إليها بالتحديد.
المصلحة الأميركية تقتضي بأن يظلّ جرح اليمن مفتوحاً


وإذ تدرك واشنطن ما يمكن أن تُقدِم عليه صنعاء، وتعرف جيداً حجم التطوّر الهائل في القدرات الصاروخية لدى هذه الأخيرة، فقد سارعت إلى إعادة تفعيل المفاوضات مجدّداً، ولكن من دون إعطاء الضوء الأخضر بالذهاب إلى السلام المقنّع، ولا إلى الحرب المفتوحة، على اعتبار أن المصلحة الأميركية تقتضي أن يظلّ جرح اليمن مفتوحاً، وهو ما يفسّر السياسة المتّبعة من قِبل الولايات المتحدة في ملف التفاوض. إذ تدأب الأخيرة على محاولة تجزئة الملفّات، بحيث يتطلّب كلّ ملفّ جهداً ووقتاً كبيرَين، ولا تسمح بالولوج مباشرة إلى الأمور الكلّية، ليقينها أن وقف الحرب ورفع الحصار، والذهاب إلى مرحلة انتقالية مباشرة، لا يلائمان المشروع الأميركي في اليمن، والذي يتّكئ على بقاء الواقع في حالة مراوحة.
وضمن هذه السياسة، ظَلّ ملفّ الأسرى محلّ تباحث متواصل لسنوات في صنعاء وعواصم عربية وأجنبية؛ إذ على الرغم من الاتفاق على تبادل الكلّ مقابل الكلّ، إلّا أن التعطيل المتعمّد يعيد التفاوض في هذا الملفّ، دائماً، إلى المربع الصفر. أمّا ملفّ المرتبات، والذي يعدّ هو الآخر واحداً من الملفّات الإنسانية، فقد بقي النقاش حوله يراوح مكانه منذ أكثر من عام من دون التوصّل إلى حلّ، فيما الوفد العماني الذي وصل ليل الأربعاء - الخميس إلى صنعاء، يحمل مجرّد مقترحات بشأنه. وبرأي محلّلين، فإن عملية السلام لن تُحسم خلال مدّة وجيزة، بل ستأخذ من الوقت ما يتناسب مع مصلحة «التحالف» والولايات المتحدة؛ وإذا كانت الحرب قد استغرقت أكثر من ثماني سنوات، فإن التفاوض يراد أن يستغرق هو الآخر مدداً مستطيلة. وعليه، فإن كلّ التحرّكات الديبلوماسية الحالية تهدف حصراً إلى إعادة إنتاج الهدنة، التي لم تُنفَّذ بنودها أصلاً، الأمر الذي يجعل من كلفتها موازية لكلفة الحرب، إن لم تكن أكثر.