رام الله | داخل غرفته في منزل عائلته في مدينة جنين، أعدمت قوات الاحتلال الخاصة، الشاب مصطفى الكستوني، أحد قادة «كتائب شهداء الأقصى» في المدينة، بإطلاق الرصاص من المسافة الصفر على رأسه وصدره وبطنه، في عملية إعدام جديدة. وعقب إعدام الكستوني، فجّر جنود العدو منزل العائلة ومخبزها، كما اعتقلوا شابَّين آخرين أحدهما هاني الكستوني، شقيق الشهيد وأحد مقاتلي «كتائب الأقصى»، والآخر حسن هصيص، وهو من «كتيبة جنين»، بزعم أنهما يشكّلان خلية مسلّحة. وعلى غرار عملياتها السابقة، اقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال مدينة جنين من محاور عدّة، لتندلع اشتباكات مسلّحة مع المقاومين، اعترف العدو لاحقاً بإصابة جندي من حرس الحدود في خلالها. وبحسب شهود عيان، فقد اقتحم جنود الاحتلال منزل الكستوني تحت وابل من إطلاق النار الكثيف، على الرغم من صراخ مصطفى فيهم بوجود أطفال ونساء في المنزل، ومن ثمّ قاموا بإعدام الشاب رمياً بالرصاص. وفي أثناء انسحابهم، ألقوا قذائف «الأنيرجا» على المنزل والمخبز، وقاموا بتفجيرهما بعبوات ناسفة زرعوها داخلهما، علماً أن المنزل كان يؤوي أفراد عائلة الشهيد الذين لم يتمّ إخبارهم من قِبل العدو بنيّة التفجير، وكذلك الحال في المخبز الذي تواجد فيه قرابة 15 عاملاً، الأمر الذي كان ليُسفر عن مجزرة. وعلى إثر تلك التطوّرات، عمّ الإضراب الشامل مدينة جنين ومخيمها، وسط تأكيد فصائل المقاومة أنها مستمرّة في الإعداد والعمل والجاهزية العالية لمواجهة أيّ عدوان أو اقتحام.

ويعدّ الكستوني أحد قادة «شهداء الأقصى» في جنين، وقد أُفرج عنه من سجون الاحتلال قبل شهرين فقط، بعد اعتقال دام 9 أشهر، حيث اعتُقل في أيلول الماضي جريحاً بعد إصابته برصاص جيش العدو داخل منزله، وهو شقيق لأسيرين في سجون الاحتلال، ومشهور بصورته خلال التصدّي لآليات العدو إبّان اجتياح جنين عام 2002، عندما كان طفلاً. وتشي عملية اغتياله، وما رافقها من اعتداءات وحشية، بجملة دلالات أبرزها تفضيل العدو تنفيذ عمليات إعدام ميدانية، حتى عندما يكون بمقدورهم اعتقال المطلوب، كما كان الحال عند تصفيتهم الكستوني. وتُعدّ هذه ثاني عملية إعدام في جنين عقب فشل العدوان الواسع الذي شنّه الاحتلال على المخيم الشهر الماضي، فيما يبدو أن فشل العملية دفع العدو إلى اتّخاذ قرار الإعدامات الميدانية، وهو ما كان اتّضح مبكراً من خلال عملية اغتيال دموية لثلاثة مقاومين بالقرب من بلدة عرابة في 7 آب الجاري. كما أن الطابع الوحشي لتلك العمليات وما يصاحبها يشي برغبة الاحتلال في الانتقام لفشله السابق، والتعويض عن إخفاقاته في الوصول إلى المقاومين، فضلاً عن تصعيد الضغط على الحاضنة الشعبية، عبر تكبيدها خسائر كبيرة. وعلى المقلب الآخر، يأمل العدو في البعث برسالة إلى الإسرائيليين بأن جيشهم لا يزال قوياً، على الرغم أن الأزمة الداخلية التي تعيشها إسرائيل، وتكاثر التحذيرات من تراجع كفاءة جيشها.
لكن جنين التي اختبرها العدو سابقاً، وصبّ عليها حمم النار والقذائف من دون أن ترفع الراية البيضاء، تبدو اليوم أقوى من أن تنكسر. فما هي إلّا ساعات على انسحاب قوات الاحتلال من المخيم، حتى تعرّضت مستوطنة «شاكيد» القريبة من جنين لإطلاق نار كثيف من المقاومين ألحق ضرراً بالمنطقة الصناعية المحاذية لها، في حين زفّت «كتائب الأقصى» شهيدها الكستوني، مؤكدةً أن «دماء الشهداء ستزيد من قوة المقاومة وزخمها»، وأن «الجريمة لن تمرّ من دون عقاب وردٍ قاسٍ». كما أكّدت «جهوزيتها العالية للتصدّي لأيّ عدوان صهيوني يستهدف مدينة جنين ومخيمها وريفها في كلّ وقت وتحت أي ظرفّ»، بينما تعهّدت حركة «حماس» بأن تبقى جنين «عاصمة المقاومة وقلعة المجاهدين». والواقع أن جنين لم تكرّس حالة الاشتباك، أو تصدّر فكرة الكتيبة وتساهم في بنائها فحسب، بل ساهمت أيضاً في تطوير قدراتها وعتادها، إلى حدّ لم يَعُد معه من الممكن إخفاء القلق الإسرائيلي من التطوّر الكبير في صناعة العبوات الناسفة في جنين ونابلس تحديداً، إضافة إلى بروز محاولات جديدة لدى المقاومين لخطف جنود أو مستوطنين.
لم يَعُد من الممكن إخفاء القلق الإسرائيلي من التطوّر الكبير في صناعة العبوات الناسفة في جنين ونابلس تحديداً


وفي هذا الإطار، أشارت قناة «كان» العبرية إلى أن «مختبرات تصنيع المتفجرات في مخيّمَي بلاطة وجنين باتت تصنّع عبوات ناسفة تُرسَل إلى مدن ومخيمات أخرى في الضفة الغربية»، زاعمةً أن «الجيش الإسرائيلي أحبط أكثر من محاولة لتهريب عبوات متفجّرة من تلك المخيمات إلى مواقع أخرى في الضفة الغربية». ولفتت إلى أن «هناك ما يمكن تسميته بخطوط إنتاج لعبوات ناسفة داخل أسطوانات غاز وعبوات إطفاء»، وأن «التعاون بين الأجنحة المسلّحة مكّنها من الحصول على كميات كبيرة من المتفجّرات». وفي الاتجاه نفسه، حذّر الرئيس السابق لـ«مجلس الأمن القومي» الإسرائيلي، مائير بن شبات، في مقال له، من أن «مزاعم إحباط تشكيل حركة حماس خلية مسلّحة خطّطت لاختطاف جندي أو مستوطن، يشير إلى تغيير خطير في الاتجاه الذي تسلكه الحركة، كجزء من محاولة لإطلاق سراح أسراها» في سجون الاحتلال. وأشار بن شبات إلى أن «أعضاء الخلية كانوا مجهّزين بالأسلحة، وجمعوا المعلومات، وقاموا بدوريات ميدانية من أجل التعرّف على روتين نشاط الجنود الذين يخدمون في منطقة بنيامين، لا بل إن الخلية أعدّت مكاناً لاحتجاز الجندي الذي سيتمّ اختطافه»، مضيفاً أن «الخلية تصرّفت بدعم وتوجيه من قيادة حماس في الخارج وغزة»، مستنتجاً أنه «يجب أن يُنظَر إلى ذلك على أنه قرار تنظيمي لتجديد استخدام طريقة الاختطاف لأغراض المساومة»، وبالتالي «إذا كان هذا هو الحال، فسيكون من الصحيح الافتراض أنه سيتمّ تمرير تعليمات مماثلة إلى فرق ومجنّدين إضافيين، ومن وجهة نظر حماس، فإن عمليات الخطف هي الطريق الرئيس لإطلاق سراح أسراها في سجون الاحتلال»، كما قال بن شبات.
إلى ذلك، رصد «مركز المعلومات الفلسطيني» (معطى) تنفيذ 22 عملاً مقاوماً خلال الـ24 ساعة الماضية، أسفرت عن وقوع ثلاث إصابات في صفوف جنود الاحتلال والمستوطنين، من بينها 7 عمليات إطلاق نار، وتفجير عبوة ناسفة، وعمليتي إلقاء زجاجات حارقة، وتصدٍّ لاعتداءَين من قِبَل المستوطنين، وتحطيم لإحدى مركباتهم، إضافة إلى اندلاع مواجهات في 9 نقاط في الضفة الغربية المحتلّة.