القاهرة | بعد اجتماعات وجلسات استغرقت أكثر من 15 شهراً، جرى خلالها الاستماع إلى أصوات المعارضة، وتشكيل لجان ضمّت سياسيين واقتصاديين وخبراء مختصين في عدّة مجالات، رفع «الحوار الوطني» توصيات المرحلة الأولى منه، بشكل مفاجئ، إلى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي كان قد تعهّد بالموافقة على توصيات الحوار، لتأتي الاستجابة في صورة الإفراج عن الناشط السياسي أحمد دومة الذي قضى نحو 10 سنوات خلف القضبان لاتهامه في عدّة قضايا، و30 آخرين، وذلك بموجب عفو رئاسي، فيما أحيلت بقيّة التوصيات التي تَخرج عن دائرة صلاحيّات السيسي إلى الجهات المعنيّة. وعلى رغم أن هذه الخطوة لاقت احتفاءً من الحقوقيين والسياسيين المعارضين للنظام، إلّا أن آثارها لم تَدُم طويلاً، في ظلّ مداهمة منازل عدد من الصحافيين الذين يُديرون صفحة إخبارية نشرت تفاصيل حول حادثة الطائرة التي توجّهت من مصر إلى زامبيا، وضُبِطت على متنها ملايين الدولارات والسبائك الذهبية التي يُزعم أنها مزيّفة. يُضاف إلى ما تَقدّم، أن أيّ انفراجة لم تُسجّل في ما يتعلّق بالتوصيات الأولى لـ«الحوار الوطني»، والمرتبطة بالإصلاح السياسي، فيما المخرجات التي امتدّت على 40 صفحة خلت من أيّ حديث عن الأوضاع في السجون، والموقوفين على ذمّة قضايا سياسية، وممارسة حق التظاهر أو حتى ممارسة الأحزاب للعمل السياسي من دون قيود. على أن المفارقة هي أن التوصيات الخاصة بالعملية الانتخابية تطرّقت إلى دعوة مسؤولي لجان الحوار إلى اعتماد التصويت الإلكتروني أو التصويت عبر البريد للمصريين المغتربين، ما أثار انتقادات على اعتبار أن ذلك يفتح باب التلاعب بنتائج التصويت. وترافقت هذه الدعوة مع المطالبة باستمرار الإشراف القضائي على العملية الانتخابية، والذي ينتهي في 17 كانون الثاني المقبل، بموجب نصّ الدستور الحالي الذي حدّد الإشراف لعشر سنوات من موعد إقراره، إلى جانب الحديث عن تعديل ميزانية الحملات الدعائية للمرشحين في الانتخابات، بما فيها تلك الرئاسية.
لم تُسجّل أيّ انفراجة في ما يتعلّق بتوصيات الإصلاح السياسي


وإلى جانب المطالبة برفع عدد أعضاء مجلسَي النواب والشيوخ، قدّم أعضاء «الحوار الوطني» لرئيس الجمهورية ثلاثة مقترحات للاختيار من بينها بشأن شكل الانتخابات البرلمانية، ما عكس استمرار حالة عدم التوافق السياسي حول آلية تشكيل غرفتَي البرلمان. والمقترحات المشار إليها هي: الإبقاء على النظام الانتخابي الحالي القائم على 50% بنظام القوائم المطلقة و50% للنظام الفردي، أو اللجوء إلى نظام القائمة النسبية بنسبة 100% من خلال إجراء الانتخابات في 15 دائرة انتخابية بواقع 40 مقعداً انتخابياً لكلّ دائرة، أو تطبيق نظام انتخابي مختلط يجمع بين القوائم الثلاث، لتكون النسب 25% (أو 30%) لنظام القوائم المغلقة المطلقة و25% (أو 30%) لنظام القائمة النسبية و50% (أو 40%) للنظام الفردي، مع اشتراط أن تُستوفى نسبة مشاركة المرأة في القائمتين المطلقة والنسبية. ومن بين التوصيات السياسية أيضاً، برز طلب الإسراع في إجراء انتخابات المجالس المحلّية الغائبة عن الانعقاد منذ 13 عاماً، في ظلّ عدم إقرار القوانين التي ستُجرى على أساسها هذه الانتخابات.
كذلك، أوصت مخرجات الحوار بإنشاء مفوضية مناهضة التمييز، وتعديل قانون العمل الأهلي الذي واجه انتقادات عديدة عند إقراره عام 2019 وجرى تعديله لاحقاً بتوجيهات من السيسي، من دون أن يخفّف ذلك من تقييده للعمل الأهلي. كما كان لملف التعليم نصيبٌ من المخرجات التي طالبت بالتوسع في تدريس بعض المواد الدراسية، وبالعمل على الحفاظ على الهوية الوطنية وترسيخها في المناهج الدراسية، مع الدعوة إلى تحقيق عائدات مالية من بعض الأنشطة الخدمية وتحقيق عدالة ثقافية بين مختلف المدن المصرية. أمّا في الجانب الاقتصادي، فجاءت التوصيات مكرّرة لما يتردّد داخل البرلمان ومن خبراء الاقتصاد، بدءاً من فضّ الاشتباك بين الهيئات المختلفة حول بعض الصلاحيات، ومن بينها الأراضي المخصصة للنشاط الصناعي، والتوسع في إنشاء المناطق الحرة، مروراً بتفعيل دور «الهيئة العامة للاستثمار» وتطوير الخريطة الاستثمارية، وصولاً إلى اتخاذ خطوات جادّة من أجل اختصار المدد اللازمة لتمويل بعض المشروعات.