أمّا من الناحية العسكرية، فتُعدّ عملية الخليل معقّدة، كوْنها وقعت في «شارع 60» الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال، وبالقرب من برج عسكري لجيش العدو، وفي منطقة مليئة بالحواجز العسكرية وكاميرات المراقبة، حيث استطاع المنفّذون، بعدما خطّطوا جيّداً، التنفيذ بجرأة ونجاح، والانسحاب إثر تخطّي كلّ الإجراءات المشدّدة. ولذا، تعكس العملية تطوراً نوعياً في أداء المقاومين، وهو ما يقضّ مضاجع قادة الاحتلال، ويزيد حيرتهم حول الوسائل الملائمة للتعامل مع جيل المقاومين الجديد، الذي لا تتوافر لديهم أيّ معلومات مسبقة عن نواياه، ما ساهم في ارتفاع عدد القتلى الإسرائيليين إلى 34 منذ بداية العام. وكسابقاته من الهجمات الفدائية، ركّز هجوم الخليل على استهداف المستوطنين الذين تصاعدت جرائمهم أخيراً في الضفة، توازياً مع تصاعد مخططات الضمّ والسيطرة في سياق مشروع دولة «يهودا». وبالتالي، فإنّ هذه العملية ستلقي بظلالها الثقيلة على حكومة الاحتلال التي يقودها قادة المستوطنين الذين وعدوا جمهورهم بالأمن، بينما انفجرت المقاومة في وجه المستوطنين بشكل غير مسبوق. كما أن من شأنها أن تشكّل نقطة تحوّل نوعية في مسار الأحداث إذا ما تبعتها عمليات أخرى، لما سيؤدّي إليه ذلك من إفشال مخطّطات الاحتلال في تفريق المدن وتجزئتها، والتعامل مع كلّ حيّز جغرافي على حدة، والاستفراد بجنين ونابلس. وفي المقابل، وسّع رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه يوآف غالانت، دائرة الاتهام، حيث وجّه الرجلان أصابع الاتهام بشكل واضح ومباشر إلى إيران وحلفائها في المنطقة. وفي بيان أطلقه نتنياهو وغالانت من موقع عملية الأمس، قالا: «نحن في ذروة هجوم إرهابي مموّل ومدعوم من إيران وأتباعها»، وأشارا إلى أن «ما يجري يتمّ بتوجيه خارجي، وسنحاسب القتلة ومرسليهم».
نتنياهو وغالانت: الهجوم مموّل ومدعوم من إيران وأتباعها
ويبدو جلياً إدراك المقاومين أهمية وحدة ساحات المواجهة في عرقلة مخطّطات الاحتلال، وهو ما يدلّ عليه التقارب الزمني والتباعد الجغرافي بين عمليات المقاومة، ومن ضمنها عملية الخليل التي جاءت بعد ساعات قليلة من عملية حوّارة، وبالتزامن مع عملية إطلاق نار في جنين استهدفت جيش العدو وتسبّبت بإعطاب آلية عسكرية قرب بلدة جبع، وبالتزامن أيضاً مع المناورات العسكرية غير المسبوقة في قطاع غزة، والتي شهد آخرها إطلاق أكثر من 50 صاروخاً بعيد المدى صوب البحر، وإطلاق الطائرات المُسيّرة أكثر من مرّة، ما اعتبرته صحيفة «معاريف» العبرية «جزءاً من التحدّي الواضح». أيضاً، يبرهن هجوم الخليل على التطوّر الملحوظ والمستمرّ في إمكانات المقاومة؛ إذ على عكس الهجمات السابقة التي كان يجري تنفيذها بسلاح مصنَّع محلياً «كارلو» والتي كان بعضها يتسبّب بإصابات فقط، وتلك التي استُخدم فيها السلاح «الأوتوماتيكي» ملحقاً خسائر كبرى بصفوف المستوطنين، نُفّذ هجوم حوارة بمسدس أُطلقت منه النيران من مسافة صفر، وعملية الخليل ببندقية آلية.
هكذا، وعلى الرغم من أن إسرائيل حوّلت الضفة الغربية إلى سجن كبير مليء بالحواجز العسكرية وأبراج المراقبة وكاميرات التصوير، إلّا أن المقاومين يستطيعون في كلّ مرّة تنفيذ عمليات جريئة ويتمكّنون من الانسحاب والاختفاء. وراكمت عملية الخليل من قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من وقوع هجمات جديدة، وخاصة مع تسجيلها نحو 200 تحذير من وقوع عمليات يومياً، وهو ما دعاها إلى تحذير المستوطنين، الذين ارتفعت حدّة انتقاداتهم لحكومتهم، من الدخول إلى المناطق الفلسطينية المصنَّفة «أ». وفي هذا الإطار، رأت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «العام الحالي هو الأصعب منذ الانتفاضة الثانية، حيث سُجّل مقتل 34 مستوطناً منذ كانون الثاني»، بينما قالت وسائل إعلام أخرى: «إذلالٌ على الحدود الشمالية، وإطلاق صواريخ من غزة، وتصاعد للعمليات في الضفة الغربية، فيما الحكومة لم تقدّم أيّ رسالة أمنية، وهذه حقيقة يجب أن تُقال». من جانبه، طالب وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بتنفيذ عمليات اغتيال، وإلغاء تصاريح العمل، وإقامة حواجز على الطرق، بينما قالت مصادر عبرية إن عملية الخليل دفعت حكومة الاحتلال إلى عقد اجتماع لمجلس الوزراء المصغّر (الكابينت) بداية الأسبوع المقبل، بعدما كان مقرّراً في شهر أيلول القادم. وقالت الوزيرة أوريت ستروك، بدورها: «القلب يصرخ، والرأس لا يستوعب، عملية دموية أخرى تقع بسبب غياب القرارات المطلوبة (....). وزير الحرب، القرار بيدك. اتّخذ القرار قبل العملية القادمة».