التطوّر في العلاقات السعودية - الإيرانية، والذي تبدو الرياض راغبة فيه بشدّة، يوحي بأن المملكة لا تريد العودة إلى الحرب، مهما كان الثمن. هذا على الأقلّ ما أشارت إليه الحفاوة التي استُقبل بها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارته المملكة قبل أيام واجتماعه بولي العهد السعودي، الذي نُقل عنه مديحه إيران في تسجيل صوتي مسرّب قال فيه إنه يتعلّم من التاريخ الإيراني، بمعزل عن الجدل الذي أثاره التسريب نفسه. لكن السؤال الأساسي هو: هل سيتجرّأ ابن سلمان على تحدّي الأميركيين إلى هذه الدرجة، وهل إذا فعل ينتهي الأمر على الصورة التي يرغب فيها؟ ما يجري على الأرض اليمنية، وتحديداً في الجنوب، يشير إلى أن الأميركيين، بالتعاون مع الإمارات، لن يدَعوا السعودية تُحقّق ما تريد، وهذا ما يفسّر التصاعد الكبير في ما بات يمكن تسميته بـ«الأزمة» في العلاقات السعودية - الإماراتية، والتي يتزايد خروجها إلى العلن. وأبرز ما في جديد تلك الأزمة، الهجوم العنيف الذي شنّه عضو مجلس الشورى السعودي السابق، الأكاديمي محمد آل زلفة، على الإمارات، حين قال في مقابلة تلفزيونية إن أبو ظبي ركّزت على قضايا تخصّ انفصال جنوب اليمن عن شماله، قبل أن «تنسحب عسكرياً بطريقة غير محسوبة، وتترك السعودية تقاتل الحوثي وحدها»، مضيفاً إن «أبو ظبي، كما يبدو، ذهبت بعيداً في مشاريعها أكثر من قدراتها، وأكثر من إمكانياتها».
ابن زايد ما كان ليتجرّأ على تحدّي ابن سلمان، لولا أن الأميركيين ومِن ورائهم الإسرائيليون يشدّون ركبتيه
وجاء الردّ الإماراتي على ذلك الاتهام سريعاً وعنيفاً عبر الصحف الموالية لأبو ظبي، مثل صحيفة «العرب» التي وصفت تصريحات آل زلفة بـ«المستفزة»، واستنكرت الصمت الرسمي السعودي عنها، معتبرة أن تحرّكه يوحي بأنه «ضمن مناخ عام بدأ يتشكّل منذ أشهر في المملكة ويفتح الباب أمام إطلاق مثل هذه التصريحات». أيضاً، ردّ المستشار الديبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، الذي قال، في تغريدة على «إكس»، إن «مواقف بلاده اتّسمت دائماً بالشجاعة والأصالة والتقييم الاستراتيجي الذي يرى أن أمن المنطقة واستقرارها وازدهارها كلّ لا يتجزّأ. وتبقى مواقفنا مع الأشقاء والأصدقاء راسخة ومستمرة. والإمارات لا تتغيّر وتسمو فوق منطق القيل والقال». وجاء ردّ الأكاديمي الإماراتي المقرّب من الحكم، عبد الخالق عبد الله، أكثر وضوحاً، إذ كتب، في تغريدة على «إكس»، أن «آل زلفة كان يمدح الإمارات وأشاد بنجاحها في تحرير عدن سابقاً، فما الذي جعله ينقلب على مواقفه؟»، معتبراً هذا «تناقضاً يعكس وجهة نظر آخرين وليس وجهة نظر شخصية معزولة»، محيلاً متابعيه إلى مقالة صحيفة «العرب».
ما تَقدّم، فضلاً عن تحرّكات المقاتلين الموالين للإمارات في جنوب اليمن وشرقه، مؤشّر إلى أن الأزمة في العلاقات السعودية - الإماراتية، توشك على الانفجار، وأن كلّاً من الدولتين صارت تنظر إلى دور الأخرى على أنه نقيض لدورها ولاغٍ له. لكن الأهمّ أن الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، ما كان ليتجرّأ على تحدّي ابن سلمان، لولا أن الأميركيين ومِن ورائهم الإسرائيليون يشدّون ركبتَيه، وهو ما يعمّق مأزق السعودية ويضغط عليها لاتّخاذ قرار كبير في ما يتعلّق بالحرب اليمنية، ولا سيما أن الطرف الآخر، أي «أنصار الله»، لن ينتظر طويلاً قبل أن يقلب الطاولة في وجه تحالف العدوان بكلّ أطرافه، إذا لم تفضِ المفاوضات إلى ما يُخرج اليمنيين من الوضع الذي أوصلهم العدوان إليه.
الرياض، في المقابل، ليست مكتوفة الأيدي، وهي تحاول السيطرة على التحرّكات الإماراتية في الجنوب، لكن ما تواجهه هو أن التدخّل الإماراتي من الأساس لم يكن في السياق نفسه الذي سار عليه التدخّل السعودي، وكان الهدف منه تحقيق مصالح نظام أبو ظبي البعيدة المدى على حساب السعودية، وهو ما يجعل الإمارات حالياً قادرة على تفجير الأزمات في وجه جارتها، سواء من خلال التلاعب بالكهرباء وتحميل الرياض مسؤولية أزمتها لإثارة سخط الرأي العام الجنوبي عليها، أو من خلال السيطرة على الجزر اليمنية الاستراتيجية، بمساعدة عسكرية من واشنطن وتل أبيب، لتعطيل أيّ عملية سلام من خلال التحكّم بخطوط الإمداد.