الحسكة | منذ حادثة استهداف القاعدة العسكرية الأميركية في مطار خراب الجير في منطقة رميلان في ريف الحسكة الشمالي في شهر آذار الماضي، والتي أدّت إلى مقتل جندي أميركي، ثمّ حادثة سقوط المروحية الأميركية فوق قاعدة الشدادي في حزيران الفائت، والتي أسفرت عن إصابة 22 جندياً أميركياً، أطلقت الولايات المتحدة استراتيجية جديدة، تهدف إلى حماية حضورها العسكري وتعزيزه في سوريا عموماً، وفي شرق الفرات خصوصاً. وكانت أحداث الأشهر الأخيرة قد مثّلت إشارات أوّلية إلى الخطر الذي ينتظر القوات الأميركية، في ظلّ تصاعد عمليات استهداف قواعدها، وتَشكّل نواة «مقاومة شعبية» تبنّت علناً استهداف «خراب الجير»، فيما جاء التصعيد الجوّي بين القوات الأميركية والروسية في السماء السورية، وخرق اتفاق «منع التصادم» غير المكتوب بين الجانبَين، ليضاعف من القلق الأميركي، ويدفع واشنطن إلى تحسين إجراءاتها «التحوّطية». وانطلاقاً من ذلك، لم تتوقّف قوافل العتاد والأسلحة الأميركية، منذ شهر آذار الماضي، عن التدفّق إلى سوريا، وتحديداً إلى القواعد الرئيسة في الحسكة ودير الزور، بالتوازي مع التخلّي عن فكرة العودة إلى قواعد سابقة في الرقة وعين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي. وبدت هذه التحرّكات الأوسع والأكبر من نوعها منذ التدخّل الأميركي في سوريا في عام 2014، وخصوصاً لجهة حجم التعزيزات المنقولة، والتي حوت منظومات صواريخ «هيمارس»، وأنظمة دفاع جوي، وأسلحة مضادة للدروع، ومناطيد مراقبة. أيضاً، جرى تعزيز القوات الأميركية في الشرق الأوسط بـ2500 جندي إضافي، من دون نشر أيّ معلومات حول ما إن كان جزءٌ من هؤلاء قد دخل إلى سوريا. وتزامَن كلّ ما تَقدّم مع تنفيذ سلسلة من التدريبات العسكرية والمناورات مع قوات «قسد» و«مجلس دير الزور العسكري» في دير الزور وأرياف الحسكة، ومع «جيش سوريا الحرة» في التنف.
وتنبئ تلك التحرّكات الأميركية بواحد أو أكثر من ثلاثة سيناريوات: أوّلها، الخوف من تصاعد الهجمات ضدّ القواعد الأميركية في سوريا وبالتالي الحاجة إلى تعزيز قوة الردع بوجه هكذا احتمال؛ وثانيها وجود نوايا أميركية للضغط على دمشق وموسكو وطهران من خلال الميدان والعبث بالشريط الحدودي بين سوريا والعراق؛ وثالثها وجود خطر حقيقي متمثّل في إمكانية عودة تنظيم «داعش» إلى المنطقة. بخصوص هذا السيناريو الأخير، فهو لا يبدو مرجَّحاً، بالنظر إلى احتشاد القوات المعادية للتنظيم على جانبَي الحدود، وهي نفسها القوات التي هزمته وساهمت في القضاء عليه. وإذا كان السيناريو القائل إن الإجراءات الأميركية تستهدف توجيه رسائل ردعية (الأول) هو الأكثر منطقية، فإن السيناريو الثاني لا يبدو مستبعَداً، لكن أرجحيّته أقلّ، بالنظر إلى أن أيّ تحرّك عسكري كبير من النوع المشار إليه سيمثّل قفزة كبيرة في التصعيد، وسيثير ردود فعل عسكرية مباشرة على القواعد الأميركية في سوريا والعراق، الأمر الذي لا يبدو أن الأميركيين معنيّون به حالياً.
ازداد الحديث، أخيراً، عن تحرّكات أميركية في العراق، مشابهة للتي في سوريا


وازداد الحديث، أخيراً، عن تحرّكات أميركية في العراق، مشابهة للتي في سوريا، حيث رُصدت أرتال كبيرة على الحدود بين البلدين، وسط حديث عن استعدادات لإطلاق عملية عسكرية في الجانب السوري، بغرض ربط التنف بالبوكمال. ودفعت التأويلات والتحليلات التي رافقت ذلك، المتحدث باسم «القيادة المركزية» في الجيش الأميركي، جون مور، إلى الردّ عبر موقع «نورث برس»، المموّل من قِبَل «التحالف الدولي»، بالقول إن «ما يجري من تحرّكات على الحدود العراقية - السورية، ليس سوى تحركات لوجستية ضرورية لإتمام عملية استبدال أفراد الجيش الأميركي الذين انتهت ولايتهم بأفراد آخرين قادمين». وأضاف مور أن «هذا الأمر يتطلّب درجة عالية من الاستنفار الأمني على الحدود لنقل القوات والمعدات في ظروف آمنة جداً». وهو ما أكّدته أيضاً قناة «روسيا اليوم»، نقلاً عن مصادر عراقية قالت إن «الآليات العسكرية التي شوهدت على الحدود، كانت عملية استبدال بعض قطعات التحالف الدولي، وليست قوات أميركية جديدة دخلت إلى العراق»، مضيفةً أن «هذه القوات غادرت العراق عبر منفذ جريشان الحدودي مع الكويت، ضمن عملية استبدال دورية».
من جهتها، تؤكد مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، أنه «لا معطيات حتى الآن عن أيّ ترتيبات أو استعدادات أميركية عملية لشنّ أيّ حملة عسكرية على الشريط الحدودي بين سوريا والعراق». وتستبعد المصادر وجود قدرة لدى الأميركيين على تنفيذ مثل هذا التحرّك، في ظلّ عدم وجود قوات كافية، ورفض «قسد» المشاركة في أيّ عملية ضدّ الجيش السوري وحلفائه. وتلفت المصادر إلى أن «الولايات المتحدة تبدو مقيّدة في إيجاد قوات محلية تساندها على الأرض في شنّ أيّ هجوم سواءً في سوريا أو العراق»، بينما يَجري الحديث مجدّداً عن ضغوط يمارسها الأميركيون على «قسد» لدفعها إلى تغيير موقفها، تحت طائلة وقف دعمها عسكرياً وسياسياً ومالياً، وإظهار مزيدٍ من «التراخي» أمام تركيا الطامحة إلى القضاء على التنظيمات الكردية المسلّحة في شمال شرق سوريا.