بغداد | تتوالى الزيارات المتبادلة بين المسؤولين العراقيين والأتراك، في ظلّ بروز تعقيدات إضافية في العلاقات، يبدو مردّها تصعيد تركي مقصود للضغوط على العراق، لدفعه إلى التنازل عن قرار تحكيم دولي صدر لمصلحته، ويأمر أنقرة بدفع 1.5 مليار دولار لبغداد عن صادرات نفطية غير مصرّح عنها من إقليم كردستان عبر الأراضي التركية. ولذلك، فشلت المفاوضات حول استئناف الصادرات النفطية، فيما ملفّ مياه دجلة والفرات لا تزال تتحكّم به تركيا إلى حدّ كبير، ممتنعةً عن تزويد العراق إلّا بالكميات التي تريدها من مياه النهرين، ما يسفر عن أزمة جفاف مستمرّة لدى الأخير
عقد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الثلاثاء، محادثات مع نظيره العراقي، فؤاد حسين، في إطار زيارة له إلى بغداد، تُقدّر مصادر حكومية أنها ستمهّد لزيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى العراق، والتي أُعلن عنها نهاية تموز الماضي، من دون تحديد موعد رسمي لها من الجانبين حتى الآن. وأعلن حسين، عقب المحادثات، التوصّل إلى اتفاق على تشكيل لجنة لمعالجة أزمة المياه، علماً أن العراق يعاني انخفاضاً حادّاً في مناسيب نهرَيه دجلة والفرات، اللذَين تتّهم بغداد أنقرة بخفض تدفّق حصّتها منهما بشكل كبير، بسبب تشييد السدود عند المنبع. كذلك، أعلن حسين، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع فيدان، طرح موضوع استئناف تصدير النفط العراقي عبر الموانئ التركية، فيما في الملفّ الأمني، تمّ التطرّق إلى مسألة التواجد العسكري التركي في شمال العراق، حيث تشنّ القوات التركية عمليات عسكرية منتظمة برّية وجوية ضدّ مقاتلي «حزب العمال الكردستاني»، تلتزم سلطة بغداد الصمت حيالها.
أيضاً، جرى بحث الملفّ الاقتصادي وملفّ الجمارك وكيفية إدارتها بين العراق وتركيا، وسمات الدخول بين البلدَين، مع التذكير بأن العراق يستورد معظم حاجاته من السلع والبضائع من دول الجوار وخاصة تركيا، التي قد يصل حجم المستوردات منها سنوياً، بحسب «هيئة الإحصاء التركية»، إلى نحو 20 مليار دولار. وكانت كشفت وكالة «رويترز»، أوّل من أمس، عن عدم توصّل وزيرَي النفط، العراقي حيان عبد الغني، والتركي ألب أرسلان بيرقدار، خلال اجتماع في أنقرة، إلى اتفاق على استئناف تصدير النفط من إقليم كردستان. وفي 25 آذار الماضي، توقّفت صادرات نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي، إثر حكم هيئة تحكيم دولية، بأن على تركيا دفع تعويضات للعراق بقيمة 1.5 مليار دولار عن الصادرات غير المصرّح بها.
ويقول المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، لـ«الأخبار»، إن زيارة وزير الخارجية التركي إلى العراق جاءت في إطار «مناقشة ملفات مهمّة كالملفّ الأمني، والمياه، وتصدير نفط إقليم كردستان عبر الأنبوب التركي، والشركات التركية العاملة في العراق أو التي لديها تعاقدات معه»، مضيفاً أن «الزيارة إجمالاً هي تهيئة لزيارة الرئيس التركي إلى بغداد لاحقاً»، و«تكملة لزيارة وزير النفط العراقي مع وفد رفيع المستوى إلى أنقرة». ويبيّن المتحدّث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، بدوره، «أننا طرحنا مسألة سمات الدخول إلى تركيا، في ظلّ وجود نحو 700 ألف عراقي يقيمون هناك بهدف تعزيز العلاقات»، مضيفاً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الوزير فؤاد حسين ناقش مع نظيره أهمية وجود نحو 850 شركة تركية تعمل في العراق، فضلاً عن تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي خدمة للبلدين»، متابعاً «(أنّنا) اقترحنا توسيع اللجنة المشتركة بين الجانبين من حيث الأعضاء والمضمون، وطرحنا عقد اجتماع للجنة قبل الزيارة المرتقبة للرئيس التركي». ويزيد «(أنّنا) اقترحنا أن تستضيف بغداد اجتماع اللجنة المشتركة، لتشكيل لجنة تجارية واقتصادية تهدف إلى دعم رجال الأعمال والقطاع الخاص، وأيضاً تشكيل لجنة مشتركة تضمّ وزراء الخارجية والدفاع والمخابرات، بهدف مواجهة الإرهاب وتقويض قدراته».
وزير الطاقة التركي طلب الحصول على 20 دولاراً عن كلّ برميل نفط خام مصدَّر عبر الأراضي التركية


أمّا المحلّل السياسي التركي، إسلام أوزجان، فيلفت إلى أن «زيارة الوزير الخارجية التركي لبغداد لها أربعة عناوين بارزة: مشروع طريق التنمية، ومشكلة حزب العمال الكردستاني، ومشكلة المياه، ومسألة زيادة حجم التجارة بين البلدين». ويرى أوزجان، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «العامل الرئيس الذي يدفع العراق إلى الانفتاح على العالم عبر تركيا هو الترتيبات الحدودية التي تقيّد إيصال النفط العراقي إلى العالم عبر الخليج. فالعراق الذي يتمتّع باحتياطيات غنية من النفط والغاز الطبيعي ليست لديه حدود لبناء ميناء في المياه العميقة في الخليج، وهذا يخلق صعوبات خطيرة في نقل وتسويق الاحتياطيات»، مشيراً إلى أن «الدولة العراقية تحاول في الغالب تسويق نفطها عبر موانئ جيرانها مثل الكويت والسعودية وتركيا، لكن تدهور العلاقات مع جيرانها العرب، خاصة منذ التسعينيات، أدّى إلى الحدّ من وصول البلاد إلى الأسواق الدولية». كما يعتقد أن «الرغبة في الحصول على حصّة من مبادرة الحزام والطريق الصينية قد دفعت إدارة بغداد إلى القيام بمثل هذا المشروع الطموح (طريق التنمية)». أمّا بالنسبة إلى قضية «حزب العمال»، فيقول إن «الوفد التركي المفاوض سوف يطلب رسمياً من العراقيين تطبيق الأساليب والإجراءات نفسها ضد حزب العمال، كما فعلوا ضدّ مجاهدي خلق الذين تمّ نزع سلاحهم وطردهم من العراق»، مستدركاً بأن «الحكومة العراقية ليست في وضع يسمح لها بتقديم مثل هذا الوعد لتركيا وتقديم الضمانات لتنفيذه»، معتبراً أنه «من أجل الاستجابة لهذا الطلب، سيتعيّن عليها إقناع إيران والحشد الشعبي، وكذلك الولايات المتحدة وأوروبا في الخلفية. لذلك، يبدو هذا حلماً مستحيلاً».
من جهته، يعتقد الباحث في الشؤون الاقتصادية، حيدر الشيخ، أن سبب عدم توصّل وزير النفط العراقي ووزير الطاقة التركي إلى اتفاق بشأن استئناف تصدير نفط إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي، هو الشروط التعجيزية من الجانب التركي، الذي اشترط على العراق إسقاط التعويض المالي والدعوة المقامة على تركيا في المحكمة الدولية. ويقول الشيخ، لـ«الأخبار»، إن «وزير الطاقة التركي طلب من نظيره العراقي الحصول على 20 دولاراً عن كلّ برميل نفط خام مصدَّر عبر الأراضي التركية، منها 13 دولاراً تذهب إلى الحكومة التركية، و7 دولارات إلى الشركة التركية الناقلة للنفط، وهذا ما رفضه الوزير العراقي، وما دفع إلى تأجيل المفاوضات إلى إشعار آخر». ويكمل الشيخ أن «زيارة وزير الخارجية التركي إلى بغداد كانت استكمالاً للتفاوض بخصوص تصدير النفط، إضافة إلى ملفّات أخرى، إلّا أن الوزير التركي فوجئ بعد وصوله إلى بغداد بفشل المفاوضات التي أجريت في أنقرة بين وزير الطاقة التركي ونظيره العراقي».
ويرى الباحث في الشأن العراقي، جودت كاظم، بدوره، أن مجمل الزيارات هي لغرض معالجة مشكلة الخسائر التي تورّط فيها العراق منذ توقّف صادرات نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي، والتي سرعان ما بدأت تظهر للعيان، فضلاً عن انسحاب الشركات الأجنبية من العمل في كردستان. ويَعتبر كاظم، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «حكومة محمد شياع السوداني تسعى بكلّ ثقلها إلى معالجة أزمة المياه التي يعانيها العراق، وربما تتسبّب بكوارث بيئية ومعيشية، فلهذا ترى السوداني جادّاً في إدارة المفاوضات مع أنقرة لحلّها في أسرع وقت ممكن».