حينما تحلّ الذكرى السنوية لرحيله، لا تَجد عائلة الشهيد سعدي الغرابلي، قبراً له تزوره؛ والد الأبناء التسعة، وجدّ الـ 70 حفيداً، قضى في عام 2020، إثر سياسية الإهمال الطبي، في السجون الإسرائيلية بعد اعتقال دام 26 عاماً. ومذّاك، ترفض سلطات الاحتلال تسليم جثمانه لعائلته، ليُدفن حيث مسقط رأسه في حيّ الشجاعية. يقول نجله: «الاستشهاد بعد عذاب 26 عاماً في السجن، مصيبة، لكن الفصل الأكثر ألماً، هو أن تحرم العائلة من تذكّره، من زيارة قبره حينما يجتاحها الشوق، أو تضيق علينا الحياة». ويتابع حديثه إلى «الأخبار»: «لا أحد يستطيع فهم الشعور الذي تعيشه عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم. لأضرحة الشهداء وأجسادهم مكانة عزيزة لدى عائلاتهم، هي الشاهد الوحيد، والذكرى المادية الملموسة على حضورهم الدائم بيننا (...) نحن نشعر بألم الفقد يومياً، لأن احتجاز الجثمان وضع غير طبيعي، يبقي حكاية الفقد معلّقة، من دون نهاية». الغرابلي، واحد من 11 أسيراً استشهدوا نتيجة سياسة الإهمال الطبي، ولا تزال سلطات الاحتلال تحتجز جثامينهم، إضافة إلى 398 شهيداً، بينهم 256 شهيداً محتجزة أجسادهم في مقابر الأرقام، 142 شهيداً منهم منذ عام 2015. وصادف يوم أمس الأحد، «اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء»، حيث نظّم المئات من أهالي الشهداء وقفات احتجاجية متزامنة في غزة والضفة الغربية. وفي مدنية نابلس، التي تحتجز سلطات الاحتلال أجساد 70 من شهدائها، خرج الأهالي حاملين توابيت رمزية فارغة عليها أسماء أبنائهم. فعالية رأت فيها والدة الشهيد سائد الكوني أنها طريقة للفت انتباه العالم إلى هذه القضيّة المحقّة، وتقول: «صنعنا هذه التوابيت، لنذكّر العالم بالجثامين المحتجزة في الثلاجات ومقابر الأرقام. نحن نحلم بأن نستردّ أجساد أبنائنا، حتى نستقبلهم بعرس وطني وندفنهم في أرض الحقّ». بدورها، تضيف شقيقة الشهيد محمد النجار: «منذ سنتين، احتجزوا جثمان شقيقي. ومنذ ذلك الحين، ونحن نحلم في اللحظة التي نودّعه فيها، ونلقي عليه نظرة الوداع الأخيرة، قبل أن ندفنه قريباً منّا، نزوره متى أردنا (...) لا أحد مهتمّ بهذه القضيّة، تعبنا ونحن نطالب من دون نتيجة».
وُجّهت اتهامات إلى «معهد أبو كبير» بسرقة أعضاء الشهداء المحتجَزة جثامينهم والاتجار بها


«الحركة الوطنية الأسيرة»، قالت في بيان، أصدرته صباح أمس، إن النظام الصهيوني يحتجز جثامين الشهداء، بهدف «كيّ وتعذيب الوعي الفلسطيني الجمعي المقاوم، وذلك من خلال احتجاز الجسد بعد قتله، ونزع ملامحه الإنسانية، وحرمان ذويه وأبناء شعبه من طقوس وداعه وتكريمه». على أن الأخطر من الجانب المعنوي لاحتجاز جثامين الشهداء، هو أن الاحتلال ليس مستأمَناً عليها، وفق ما يراه مجد ضرغام، وهو باحث في شؤون الأسرى، وخصوصاً أن سلطات الاحتلال عمدت، منذ عام 2015، إلى احتجاز الجثامين في ثلاجات الجليد، عوضاً عن مقابر الأرقام. ويقول ضرغام، في حديثه إلى «الأخبار»: «على رغم أن سلطات الاحتلال تنفي نفياً تاماً سرقة أعضاء من جثامين الشهداء، فإنّ يهودا هس، وهو المدير السابق لمعهد أبو كبير للطب الشرعي في إسرائيل، اعترف بسرقة أعضاء من شهداء فلسطينيين، بين فترتَي الانتفاضتَين الأولى والثانية، بموافقة القانون، وحمايته». يتابع ضرغام: «أيضاً، وجّهت صحيفة «أفتونبلاديت» السويدية، في مقال لها، اتهامات لمعهد أبو كبير بسرقة الأعضاء والاتجار بها ضمن شركات دولية غير شرعية، وأكد ذلك تقرير لشبكة «سي إن إن» الأميركية، في عام 2008، تورّط إسرائيل في جرائم اختطاف وقتل للفلسطينيين لسرقة أعضائهم».
جدير بالذكر أيضاً، ما أوردته الباحثة الإسرائيلية، مئيرة فايس، في كتابها التي أصدرته بعد الانتفاضة الثانية بعنوان «على جثثهم الميتة» (أو «الجسم المتبقي»)، ووثّقت فيه المفارقات في تعامل الاحتلال مع جثث الإسرائيليين والفلسطينيين بعد موتهم، وعمليات سرقة الأعضاء والجلد التي يقوم بها الاحتلال بحقّ جثامين الفلسطينيين، لزرعها في أجساد الجنود والمرضى اليهود، ولرفد بنك الجلد الإسرائيلي؛ فضلاً عن استخدام الأعضاء للدراسة في كليات الطب الإسرائيلية.
في هذا السياق، يلفت مدير «مركز القدس للمساعدة القانونية»، عصام العاروري، إلى أن الاحتلال لا يعترف ببيانات 74 شهيداً، إذ يزعم أن أجسادهم ليست في سجلّاته، ومن تلك الحالات، حادثة الأسير الشهيد أنيس دولة الذي استشهد في الأسر في سجن عسقلان عام 1980 ، «فقد تمّ نقله إلى معهد الطب الشرعي في أبي كبير، ثم اختفى جثمانه ولم يسلّم إلى ذويه، وتذرّعوا بعدم وجود سجلّات في تلك الفترة ويصعب تحديد مكان دفنه».
يذكر أن «الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء»، سلّمت قائمة بـ 121 جثماناً لمعرفة مصيرها، وادّعى الاحتلال بأنّ عشرة منها لا يعرف شيء عنها.