صنعاء | في جولته الأخيرة في المنطقة، ربَط المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، تحقيق تقدّم في الملف الإنساني وخاصة المرتبات، بموافقة صنعاء على اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، والدخول في حوار يمني - يمني. ووفقاً لرؤية ليندركينغ الجديدة - القديمة، فإن «اليمنيين لديهم القدرة على معالجة قضاياهم، وبدعم من دول الإقليم التي تملك تأثيراً على أطراف الصراع، ويتعيّن عليها دفع الأطراف اليمنيين نحو تشكيل حكومة موحّدة».وفي ظلّ هذه الاشتراطات المستمرة، لا يُتوقّع من التحركات التي سيقودها المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، خلال الأيام المقبلة، بتنسيق مع الولايات المتحدة والسعودية، أن تأتي بنتائج مغايرة. وكانت نقلت وسائل إعلام عن مصادر في مكتب غروندبرغ في عمّان، قولها إن الجولة الجديدة التي سيقوم بها تشمل صنعاء وعدن ومأرب، وإن ملفَّي المرتبات وإنتاج النفط الخام يتصدّران محادثاته في كل من المدن الثلاث.
واستعداداً لتلك المحادثات، يُفترض أن تعود قيادة «المجلس الرئاسي» من الرياض إلى عدن خلال الأيام المقبلة، وفق ما نقلت وسائل إعلام عن مصادر مقرّبة من الحكومة الموالية لـ«التحالف»، مشيرة أيضاً إلى أن عودة عضو المجلس، سلطان العرادة، إلى مأرب، تأتي في إطار التحضير لزيارة المبعوث الأممي للمدينة. وكانت اعتبرت صحيفة «عكاظ» السعودية أن مهمة «المجلس الرئاسي» الأولى هي «التفاوض مع الحوثيين، والإسهام في إحلال السلام، بتأييد إقليمي».
لكنّ عضو وفد صنعاء المفاوض، حميد عاصم، قلّل من أهمية الجولة الجديدة للمبعوث الأممي، ما لم يُحسم ملف المرتبات. وقال عاصم، لـ«الأخبار»، إن موضوع المرتبات حساس في الوقت الراهن، وإن مسؤولية حكومة صنعاء تفرض عليها انتزاع حقوق الموظفين بالسلم أو الحرب، لافتاً إلى أن «الرسالة التي تلقّاها الوفد العماني الأسبوع الماضي واضحة، وتشير إلى أن الأمور لن تظلّ مفتوحة، وأن صبر صنعاء لن يطول، وأن الخيار التصعيدي هو الذي سيُعتمد».
وفي الاتجاه نفسه، حذّرت مصادر مسؤولة في صنعاء، في تصريح إلى «الأخبار»، من أن «المحاولات الأميركية لحرف مسار السلام ستكون القشة التي ستعيد الأوضاع إلى ما قبل دخول الهدنة الإنسانية حيز التنفيذ»، واعتبرت أن زيارة المبعوث الأممي «ستكون الأخيرة إن لم تأتِ بنتائج إيجابية». وأشارت المصادر إلى أن «خيار السلام فشل حتى الآن في تخفيف معاناة اليمنيين، وأن دول العدوان عمدت إلى استغلال ملف المرتبات لاختراق الجبهة الداخلية في الآونة الأخيرة، وهو ما بات واضحاً من خلال التحريض الإعلامي الممنهج ضد صنعاء»، مضيفةً أن «إحاطة المبعوث الأممي الأخيرة أمام مجلس الأمن، كشفت الكثير من التناقضات التي تتواءم مع التوجه الأميركي لفرض حوار يمني - يمني، خاصة أن غروندبرغ يرى دور المملكة في اليمن وسيطاً، وليس قائداً لتحالف الحرب والحصار، وهو نفس منطق المبعوث الأميركي الذي يسعى إلى تحويل الصراع في اليمن إلى داخلي، في محاولة منه لمنح دول العدوان السعودي - الإماراتي صك غفران من تبعات جرائمها على مدى ثماني سنوات، وهو ما سبق لصنعاء أن رفضته بشكل مطلق».
ستعود قيادة «المجلس الرئاسي» من الرياض إلى عدن خلال الأيام المقبلة


وفي ظل انعدام أي مؤشرات إيجابية، كشف عضو وفد صنعاء المفاوض، عبد الملك العجري، بعد أيام من عودة الوفد العماني من صنعاء إلى مسقط، عن وصول المفاوضات حول ملف المرتبات إلى نقطة حرجة، وقال في منشور على منصة «X»، إن «انقطاع المرتبات وإن كان سببه العدوان، إلا أن مسؤولية استعادة حق الموظفين تقع على عاتق السلطة والحكومة الوطنية»، محذّراً من أن قضية المرتبات أصبحت مهدِّداً جدياً لوقف إطلاق النار الهشّ. وتزامن حديث العجري مع تسريبات نقلتها صحيفة «البيان» الإماراتية عن مصادر من مكتب ليندركينغ، تتهم حركة «أنصار الله» بتعمّد تعقيد مسار السلام، عبر اشتراط آليات غير مقبولة لصرف المرتبات. كما نقلت الصحيفة عن مصادر في حكومة معين عبد الملك قولها إن الأخيرة «تريد إيجاد آلية صرف بعيداً عن أي تحكّم من قبل حكومة صنعاء، وتتحفّظ على الموافقة على صرف مرتبات العسكريين لكي تضمن بقاء المنتمين إلى وزارتَي الدفاع والداخلية بعيدين عن تحكّم حركة أنصار الله بهم».
من جهتها، أوضحت مصادر مطّلعة في صنعاء، في حديث إلى «الأخبار»، أن «تلك التسريبات تعود إلى المفاوضات التي جرت مطلع العام الجاري، والتي سبق للأطراف اليمنية أن اتفقت خلالها على الخطوط العريضة، مع ترحيل الخلافات حول التفاصيل». وأشارت إلى أن «الأطراف اليمنيين سبق أن اتفقوا على حل ملف الأسرى وفق قاعدة الكل بالكل، إلا أنه تم العمل خلافاً لتلك الآلية. وكذلك في ما يتعلق بتوسيع الرحلات الجوية من مطار صنعاء وإليه من وجهة واحدة إلى خمس وجهات، حيث لم يتم التنفيذ من قبل دول التحالف. ويضاف إلى ما تَقدّم، عقد عدة جولات برعاية الأمم المتحدة بشأن الطرقات المقفلة، لكن هذا الملف أيضاً لم يتم حسمه نظراً إلى تهرّب الطرف الآخر ومحاولته استغلال ملف الطرقات لتحقيق مكاسب عسكرية، وخاصة في ما يتعلق بطرقات تعز».