طرابلس | في خضمّ الأزمة الداخلية الليبية، تفجّرت كرة نار جديدة بعد الإعلان الإسرائيلي عن لقاء، هو الأول من نوعه علناً، جمع بين وزيرة الخارجية في حكومة «الوحدة الوطنية»، نجلاء المنقوش، ونظيرها الإسرائيلي، إيلي كوهين، في روما. وفيما صدر بيان تفصيلي في شأن اللقاء عن الجانب الإسرائيلي، لم تصدر أي توضيحات أو تفسيرات مسبقة من جانب الحكومة الليبية التي تعاني مشاكل داخلية عدة، تفاقمت مع الإعلان عن الاجتماع.وشهدت الساعات التالية للبيان الإسرائيلي، تخبّطاً لدى حكومة الدبيبة في التعامل مع الأزمة. ففي الوقت الذي أصدرت فيه المنقوش بياناً تحدّثت فيه عن «كون اللقاء عابراً وليس لقاء رسمياً، وحصل بالصدفة البحتة خلال تواجد كل منهما في روما الأسبوع الماضي»، أصدرت الحكومة، على وقع تظاهرات شعبية واحتجاجات في مناطق متفرقة، بياناً أعلنت فيه إيقاف المنقوش عن العمل «احتياطياً»، وإحالتها إلى التحقيق أمام لجنة برئاسة وزيرة العدل، مع تكليف وزير الشباب، فتح الله الزني، مؤقّتاً بتسيير أعمال وزارة الخارجية، وهو القرار الذي صدر بالتزامن مع مغادرة المنقوش البلاد بطائرة خاصة من مطار معتيقة إلى تركيا.
وجاءت مغادرة المنقوش في ظل إجراءات اعتيادية، وبموافقة جهاز الأمن الداخلي المشرف على المطار، على رغم أن الجهاز المذكور أكّد، في بيان، عدم صحة مرور الوزيرة من القنوات الرسمية المعتادة، في ظلّ إدراج اسمها على قائمة الممنوعين من السفر إلى حين امتثالها للتحقيق. وبالتوازي مع ذلك، أصدر رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، قراراً لم يُعلن عنه فوراً تضمّن إقالة المنقوش من منصبها، بعدما استغلّ خصومه اللقاء والتفاصيل التي نُشرت حوله في الكيان الإسرائيلي، للمطالبة بإبعاد الدبيبة عن رئاسة الحكومة.
وبحسب مصادر إعلامية، فإن اللقاء الذي جمع بين المنقوش وكوهين جرى ترتيبه بشكل مسبق، ولم يكن لقاء عابراً كما جاء في البيان الأول لمكتب الوزيرة، والذي تحدّثت فيه عن «ثوابت ليبيا تجاه القضية الفلسطينية»، مدافعةً بأن «اللقاء العابر بحضور وزير الخارجية الإيطالي لم يتضمن أي مباحثات أو مشاورات واتفاقات».
وذكرت مصادر مطّلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أن حكومة الدبيبة فوجئت بالبيان الإسرائيلي، إذ لم يجر الاتفاق على إعلان تفاصيل الاجتماع الذي عُقد بموافقة الدبيبة شخصياً للحديث في قضايا وملفات عديدة، وفي إطار محاولات الكيان المستمرة فتح قنوات للتواصل مع الأطراف الليبيين، خاصة في ظلّ وجود لقاءات سابقة على مستويات مختلفة لم تُعلن للرأي العام. وأضافت المصادر أن اللقاء كان يُفترض أن يبقى سرياً، لكن لم يتم الاتفاق على ذلك بشكل واضح، متابعةً أن حكومة «الوحدة» فوجئت بالبيان وبردود الفعل الغاضبة التي لم تصدر جميعها بشكل تلقائي، ولكنها ارتبطت أيضاً بمحاولات أطراف داخليين استغلال الحدث للتصويب على الدبيبة، ما اضطرّ الأخير إلى اتخاذ قرار بإقالة المنقوش وتحميلها المسؤولية كاملة.
اللقاء بين المنقوش وكوهين جرى ترتيبه مسبقاً ولم يكن عابراً كما جاء في بيان مكتب الوزيرة


وواجهت الحكومة أعنف تظاهرات في طرابلس على خلفية الفضيحة الجديدة، حيث اقتحم المحتجون مقر وزارة الخارجية، وتظاهروا أمام مقر الحكومة ومقر إقامة الدبيبة الذي لم يرد بشكل رسمي على الإيضاحات التي طلبها منه «المجلس الرئاسي»، داعياً إلى محاسبة المعنيين وتحميلهم المسؤولية الأخلاقية والقانونية والتاريخية، فيما تحرّك مجلس النواب لعقد جلسة عاجلة من أجل مناقشة الملف.
ووفق البيان الإسرائيلي، فإن كوهين تحدّث مع وزيرة الخارجية الليبية عن الإمكانات الكبيرة التي يمكن أن توفّرها العلاقات بين الجانبين، وأهمية الحفاظ على ما سمّاه «التراث اليهودي» في ليبيا، فيما بدأت المنقوش بعد ساعات من وصولها إلى تركيا بإصدار بيانات توضيحية عن مكتبها الإعلامي. وقالت الوزيرة المقالة، في رسائل عبر مكتبها الإعلامي، إن «الاتفاق على اللقاء جرى بعد الاجتماع بين رئيس الحكومة ونظيرته الإيطالية الشهر الماضي، والذي تخلّله أيضاً الاتفاق على تشغيل خط طيران روما - طرابلس»، مؤكدة أن البيان الأول «الذي تضمّن الحديث عن كون اللقاء عابراً جاء بعد حديث مع الدبيبة بشكل مباشر». وأكّد مكتب المنقوش أن الأخيرة لن تسمح بأن «تكون كبش فداء نتيجة حصول اللقاء الذي جرى بإذن وموافقة رئيس الحكومة على هذه الخطوة». وجاءت تلك التطورات في خضمّ مطالبات داخلية بإسقاط حكومة الدبيبة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.