الخرطوم | قدّمت قوات «الدعم السريع»، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) رؤيتها للحلّ السياسي في السودان، والقاضية بإقامة الدولة السودانية على «أسس جديدة تحقّق السلام المستدام، والحكم الديموقراطي المدني، ومؤسّسات مهنية وقومية تراعي التنوّع» في البلاد. وترتكز الرؤية على إقامة نظام فدرالي غير تماثلي (غير متجانس)، حيث تتفاوت طبيعة ونوع السلطات الممنوحة للوحدات الإدارية المكوِّنة للاتحاد الفدرالي، على اعتبار أن ذلك هو «الأنسب» لحكم السودان.ووفق رؤية «الدعم»، ينبغي أن تقترن المساعي إلى وقف دائم لإطلاق النار وحلٍّ سياسي شامل، بمعالجة الأسباب الجذريّة لحروب السودان، على أن يكون نظام الحكم ديموقراطيّاً يقوم على الانتخابات، وأن يمتلك المواطنون السودانيون سلطات إدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن يُصار إلى تحقيق السلام المستدام من خلال «إنهاء التفاوت في المجتمع، وتوزيع الثروة والفرص المتاحة للمجتمعات والمجموعات والأفراد، بالإضافة إلى مشاركة الحركات المسلّحة وأصحاب المصلحة في مخيّمات النزوح في الحلّ السياسي». وتشتمل أيضاً على ضرورة بناء «جيش سوداني جديد» قوامه الجيوش المتعدّدة الحالية، «بغرض بناء مؤسّسة عسكرية قومية مهنية تنأى بنفسها عن السياسة، وتعكس تنوّع السودان في قيادتها وقاعدتها، وفقاً للثقل السكاني».
في المقابل، أغلق قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، لدى مخاطبته جنوده في قاعدة «فلامنقو» شرق البلاد، أبواب التفاوض مع قوات «الدعم السريع»، بقوله: «لا اتفاق مع الدعم السريع. والحرب ستنتهي بانتصار ساحق للجيش»، مضيفاً أن «كل الوقت الآن مكرّس لهزيمة التمرّد والخيانة والمرتزقة القادمين من مختلف أصقاع الدنيا».
ويرى مراقبون أن خطّة قوات «الدعم السريع» لا تختلف، في ظاهرها، عن الخطاب الذي ظلّت تدفع في اتجاهه غالبية «الحركات التحررية التي تمرّدت على الحكومة المركزية في الخرطوم منذ الاستقلال، مطالبة بإقامة دولة العدالة والديموقراطية»، علماً أن تلك القوات كانت حتى وقت قريب جزءاً من المنظومة العسكرية، ولطالما استخدمها النظام لضرب الحركات المتمرّدة. ووفق المحلّل السياسي، بكري الجاك، فإن «تبنّي الدعم السريع خطاب الحركات التحررية، ليس إلّا محاولة منها لإضفاء مشروعية على الحرب التي تخوضها ضدّ الجيش، بالاستناد إلى خطاب المظلومية الساعي إلى قيام العدالة الاجتماعية». ويضيف الجاك، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الدعم السريع تحاول توظيف قوّة السلاح لضمان تحقيق تلك الأهداف وصناعة دستور دائم يقونن استمرار إمبراطوريتها المالية ويمكّن جيشها من الانتفاع بمقدّرات الدولة». ويلفت إلى أن «الخطورة تكمن في الكيفيّة التي تموضعت فيها الدعم السريع، ما يعطيها القوّة والحقّ في إعادة بناء وهندسة الدولة السودانية بطريقة لا تضمن فقط استمرار قواتها مستقلّة عن الدولة، بل قوننة ذلك سياسياً واجتماعياً». وبحسب المحلّل، فإن ما تضمّنته الرؤية المطروحة حول قيام فدرالية متدرّجة غير متماثلة، يهدف إلى قيام حكم ذاتي في دارفور وجيش مستقلّ، حيث يشارك كل إقليم بنسبة من قواته لتكوين الجيش الفدرالي من الجيوش المتعدّدة، وبالتالي تُعامل «الدعم السريع» الجيش السوداني على أنه واحد من الجيوش، أي ليست له أيّ أفضلية مؤسسية أو مشروعية.
يتّضح من الرؤية السياسية المطروحة للحلّ، أن «الدعم» تسعى إلى لعب دور سياسي، وأنها لا ترغب بالخروج من المشهد


ويتّضح من الرؤية السياسية المطروحة للحلّ، أن «الدعم السريع» تسعى إلى لعب دور سياسي، وأنها لا ترغب في الخروج من المشهد، معتمدةً في ذلك على تحقيق تفوّق عسكري على الأرض، وعلى حشد تأييد من القوى السياسية. وفي هذا السياق، يقول الناطق الرسمي باسم «قوى الحرية والتغيير»، شهاب الطيب، لـ»الأخبار»، إنه «سبق أن قدّمنا في الحرية والتغيير رؤية سياسية للحلّ قبل أن يتمّ قطع الطريق أمامها باندلاع الحرب». ويضيف أن «الحرية والتغيير ترى أن تقديم أيّ حلول أو رؤى للتفاوض أو مواقف معلنة هو طريق لإنهاء الحرب»، مشيراً إلى أنه «يمكن اعتبار ما طُرح من قِبَل الدعم السريع، اتجاهاً لإنهاء الحرب»، معتبراً أن «ما تقدَّمت به تلك القوات موقف تفاوضي أكثر من كونه رؤية سياسية. وهذا يسهّل إدارة نقاش وحوار حول القضايا كافة، وصولاً إلى الحلّ السلمي وإيقاف الحرب».
من جهتهم، يربط محلّلون بين ما تقدَّمت به «الدعم» باعتباره «رؤية للحلّ السياسي»، وما خرج به اللقاء التشاوري الذي عُقد في توغو، في نهاية تموز الماضي، وشاركت فيه قيادات سياسية ومدنية من إقليم دارفور، حيث جاء من ضمن مخرجاته أن «التدهور المستمرّ في الدولة السودانية، هو نتاج الأزمات المتراكمة التي صاحبت الحكومات المتعاقبة». ورأى اللقاء أن «الحلّ يكون بتأسيس نظام سياسي دستوري يحقّق العدالة الاجتماعية، ويعزّز المواطنة المتساوية، وذلك لن يتحقق إلّا بإقامة نظام حكم فدرالي رئاسي». ولفت اللقاء إلى أن «الحرب الحالية أُشعلت من قِبَل الإسلاميين لقطع الطريق أمام الاتفاق السياسي وبدء عملية انتقالية لبناء دولة ديموقراطية جديدة وتفكيك النظام القديم». وورد في مخرجاته أيضاً أن «بناء دولة جديدة لا يمكن أن يتمّ بإصلاح المؤسّسة العسكرية الحالية، بل بتكوين جيش مهني جديد يعكس في قيادته بشكل عادل التنوع المناطقي والإثني في السودان».
في المقابل، يرى القيادي في «الحرية والتغيير»، خالد يوسف، أن «البرهان لو كان يريد الاستمرار في الحرب، لما خرج من الخرطوم ووصل إلى بورتسودان، ولما كان قام بجولة خارجية. البرهان حينما قرّر الخروج من الخرطوم، لم يكن يريد الاستمرار في الحرب، وإنما يريد طرق أبواب أخرى للحلّ غير الحرب». وكان نائب رئيس «مجلس السيادة» الانتقالي، مالك عقار، طرح مبادرة لوقف القتال تبدأ بخريطة طريق لوقف إطلاق النار بين الطرفَين، وإخراج قوات «الدعم السريع» من المناطق السكنية، والعمل مع القوى السياسية لتهيئة الظروف لعقد مؤتمر تأسيسي تحضيراً لانتخابات عامة.